في شهادة شخصية مؤثرة تم تداولها عبر مقطع فيديو على يوتيوب، يروي رجل قصة نجاته من مرض تليف الكبد (Liver Cirrhosis)، وهو مرض خطير غالبًا ما يعتبر تشخيصه نهائيًا ولا علاج له سوى زراعة الكبد. لكن هذا الرجل، بحسب روايته، وجد طريقًا للشفاء من خلال علاج تقليدي قديم، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول العلاجات البديلة ودورها في مواجهة الأمراض المستعصية. فما هي تفاصيل هذه الرحلة المذهلة، وماذا يقول العلم والطب الحديث عن هذا العلاج المثير للجدل؟
بداية المعاناة: تشخيص تليف الكبد
في مقطع الفيديو، يصف المتحدث كيف بدأت معاناته الصحية بأعراض تبدو بسيطة في البداية، مثل الإمساك الشديد (Constipation) الذي كان يعاني منه لفترات طويلة، والذي عزاه إلى قلة شرب السوائل. لكن نقطة التحول الكبرى، كما يعتقد، جاءت بعد تناوله حبة دواء “شديدة السمية” بطريقة خاطئة، مما أدى إلى إصابته بإسهال حاد. ورغم أنه لا يجزم بأن هذه الحبة هي السبب المباشر، إلا أن أحد الأطباء أشار لاحقًا إلى أن تأثيرها السام ربما امتد إلى الكبد على مدى أشهر.
بعد فترة، بدأت الأعراض الخطيرة بالظهور بشكل متسارع. يذكر المتحدث أن أولى العلامات كانت ارتفاعًا هائلاً في نسبة المادة الصفراء أو البيليروبين (Bilirubin) في دمه، حيث وصلت إلى 470 درجة، في حين أن المعدل الطبيعي يتراوح بين 5 و20. هذا الارتفاع أدى إلى ظهور أعراض واضحة وقاسية:
- اليرقان (Jaundice): اصفرار شديد في بياض العينين والجلد.
- تغير لون البول والبراز: أصبح لون البول أصفر داكنًا جدًا، ولون البراز أصفر فاتحًا.
- حكة لا تطاق: عانى من حكة شديدة في جميع أنحاء جسده، كانت تزداد ليلًا وتمنعه من النوم، لدرجة أنه كان يطلب من أبنائه حك ظهره بأظافرهم بقوة حتى ينزف دمًا ليشعر ببعض الراحة المؤقتة.
- فقدان الوزن والضعف العام: نزل وزنه إلى أقل من 50 كيلوغرامًا، وأصابه وهن شديد، وتحول لون بشرته إلى لون داكن أقرب إلى السواد.
- نزيف داخلي: أصيب بنزيف في الاثني عشر (Duodenum)، وهو الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة، مما زاد من ضعفه وأدى إلى نوبات إغماء متكررة.
بعد إجراء فحوصات متعددة شملت السونار (Ultrasound) والرنين المغناطيسي (MRI) وتحاليل الدم، أجمع الأطباء في المستشفيات الحكومية والخاصة على تشخيص واحد: تليف كبدي متقدم، وأن الحل الوحيد المتاح هو زراعة كبد (Liver Transplant).
نقطة التحول: نصيحة الأصدقاء والعلاج التقليدي
رغم إجماع الأطباء، كان لدى المتحدث شعور داخلي بعدم الارتياح لهذا التشخيص السريع، خاصة وأن التليف الكبدي عادة ما يستغرق سنوات ليتطور، بينما ظهرت أعراضه في غضون أشهر قليلة. وفي خضم هذه المعاناة، جاء الفرج من حيث لم يحتسب. نصحه اثنان من أصدقائه، وهما أبو عبد العزيز عيد الصمادي وأحمد الفارسي، بتجربة علاج تقليدي معروف في الطب النبوي: حليب وأبوال الإبل.
تردد المتحدث في البداية، لكنه تذكر حديث العرنيين الوارد في الصحيحين (البخاري ومسلم)، حيث وفد قوم من “عُرينة” إلى المدينة المنورة وأصابهم مرض، فوصف لهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يشربوا من ألبان وأبوال إبل الصدقة فشفوا. هذه الخلفية الدينية شجعته على خوض التجربة.
أرشده صديقه إلى رجل يدعى “أبو علي السبيعي”، يمتلك عزبة إبل ويقدم حليبها مجانًا لمرضى السرطان. بدأ المتحدث بتناول جرعات من حليب الإبل مع كمية قليلة من بولها.
الشفاء المذهل والعودة إلى الحياة
كانت النتائج، بحسب روايته، سريعة ومذهلة. بعد الجرعة الأولى أو الثانية، شعر بتحسن ملحوظ. وعندما عاد إلى المستشفى لإجراء التحاليل، فوجئ الطبيب بالنتائج: انخفض مستوى البيليروبين من 470 إلى 200. ومع استمراره في تناول الجرعات، استمرت نسبة المادة الصفراء في الانخفاض بشكل كبير، حتى عادت إلى مستواها الطبيعي بعد حوالي 10 أو 11 جرعة فقط.
يؤكد المتحدث أن فترة علاجه بالكامل استغرقت أقل من شهر، حيث اختفت جميع الأعراض التي كان يعاني منها: زال الاصفرار، وتوقفت الحكة تمامًا، وعادت شهيته للطعام، وانتهى الإمساك الشديد، واستعاد وزنه وعافيته. ويختتم قصته بالتأكيد على أن هذه التجربة شخصية، وقد لا تناسب الجميع، لكنها كانت سببًا في شفائه بعد أن قرر الأطباء أنه لا علاج له سوى الزراعة.
ماذا يقول العلم عن حليب وأبوال الإبل؟
تعتبر قصة هذا الرجل شهادة فردية (Anecdotal Evidence)، وهي لا تكفي لإثبات فعالية علاج ما. لكنها تدفعنا للبحث في الدراسات العلمية حول الخصائص العلاجية المحتملة لحليب وأبوال الإبل، وهو موضوع بحثي نشط خصوصًا في جامعات الشرق الأوسط.
1. حليب الإبل (Camel Milk):
يختلف حليب الإبل في تركيبته عن حليب الأبقار، وهو غني بالعناصر الغذائية والمركبات النشطة بيولوجيًا.
- خصائص مضادة للالتهابات ومضادة للأكسدة: عند البحث عن الأدلة، نجد أن العديد من الدراسات قد أشارت إلى فوائد حليب الإبل المحتملة للكبد. على سبيل المثال، مراجعة علمية شاملة نشرت في مجلة Food Research عام 2021 لخصت أن حليب الإبل يمتلك خصائص قوية مضادة للأكسدة (Antioxidant) ومضادة للالتهابات (Anti-inflammatory)، وهي عوامل مهمة لحماية الكبد من التلف.
- حماية الكبد (Hepatoprotective Effect): أظهرت دراسات على الحيوانات نتائج واعدة. دراسة أجريت على الفئران عام 2013 ونشرت في مجلة Food and Chemical Toxicology وجدت أن حليب الإبل كان له تأثير وقائي كبير ضد تلف الكبد الذي يسببه رابع كلوريد الكربون (وهي مادة كيميائية سامة تستخدم في المختبرات لإحداث تلف كبدي).
- مركبات فريدة: يحتوي حليب الإبل على بروتينات فريدة مثل اللاكتوفيرين (Lactoferrin) والغلوبولينات المناعية (Immunoglobulins)، والتي يعتقد أنها تساهم في خصائصه المعززة للمناعة والمضادة للميكروبات.
2. أبوال الإبل (Camel Urine):
هذا هو الجزء الأكثر إثارة للجدل علميًا واجتماعيًا. فبينما يحظى بمكانة في بعض العلاجات التقليدية، تحذر منه المنظمات الصحية الحديثة.
- دراسات مخبرية (In Vitro): بعض الأبحاث المخبرية، التي أجريت على خلايا في أنابيب الاختبار وليس على البشر، قد أظهرت نتائج مثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، دراسة سعودية نشرت في مجلة Journal of Ethnopharmacology عام 2012 وجدت أن بول الإبل أظهر تأثيرًا سامًا انتقائيًا على الخلايا السرطانية (Cytotoxic Effect) في المختبر، بينما كان أقل ضررًا على الخلايا السليمة. وقد قادت هذه الأبحاث الدكتورة فاتن خورشيد، الباحثة السعودية في علم الأنسجة والخلايا، التي قامت بأبحاث واسعة حول استخدام أبوال الإبل في علاج السرطان.
- تحذيرات صحية عالمية: على الجانب الآخر، تحذر منظمات صحية كبرى مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) بشدة من شرب بول الإبل الخام. والسبب الرئيسي هو خطر انتقال الأمراض الحيوانية المصدر (Zoonotic Diseases)، وأخطرها متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS-CoV)، وهو فيروس قاتل يمكن أن ينتقل من الإبل إلى البشر. كما أن البول الخام قد يحتوي على بكتيريا ومسببات أمراض أخرى تشكل خطرًا على الصحة.
آراء خبراء آخرين ونظرة متوازنة
يتفق العديد من خبراء الطب البديل والباحثين في المنتجات الطبيعية، مثل الدكتور جميل القدسي، على الفوائد الغذائية العالية لحليب الإبل، ويعتبرونه “صيدلية متكاملة”. أما فيما يخص أبوال الإبل، فإن الإجماع العلمي السائد لا يدعم استخدامه كعلاج، ويشدد على المخاطر الصحية المحتملة التي تفوق أي فوائد مزعومة لم يتم إثباتها في تجارب سريرية على البشر (Human Clinical Trials).
من المهم التفريق بين الشهادات الشخصية، والدراسات المخبرية الأولية، والأدلة السريرية القوية. قصة هذا الرجل ملهمة وتظهر قوة الإيمان والأمل، لكن لا يمكن تعميمها كوصفة علاجية. قد تكون هناك عوامل أخرى ساهمت في شفائه، أو قد تكون حالته نادرة.
أوجه التشابه في أنظمة الطب التقليدي الأخرى
فكرة استخدام البول كعلاج ليست حصرية بالطب النبوي. تُعرف هذه الممارسة باسم “العلاج بالبول” (Urotherapy)، ولها جذور في بعض أنظمة الطب التقليدي القديمة، مثل الأيورفيدا (Ayurveda) في الهند، حيث تعرف باسم “أمارولي” (Amaroli). ومع ذلك، تظل هذه الممارسات هامشية وغير معتمدة من قبل الطب الحديث في جميع أنحاء العالم بسبب نقص الأدلة العلمية والمخاطر الصحية.
خلاصة القصة
تقدم هذه الشهادة الشخصية لمحة عن رحلة معاناة وأمل، حيث وجد رجل مريض بتليف الكبد، الذي يعتبره الطب الحديث مرضًا لا رجعة فيه، شفاءً عبر علاج تقليدي. يسلط حليب الإبل الضوء على إمكاناته الغذائية والعلاجية التي يدعمها عدد متزايد من الدراسات الأولية. وفي المقابل، يظل استخدام أبوال الإبل موضوعًا شديد الجدل، حيث تتعارض الأبحاث المخبرية الواعدة مع التحذيرات الصحية العالمية القوية بشأن سلامته. تبقى هذه القصة دعوة مفتوحة لمزيد من البحث العلمي الدقيق لفصل الحقيقة عن الخيال، واستكشاف الإمكانات الكامنة في الطبيعة بحذر ومسؤولية.
تنويه: هذا المقال يلخص آراء الخبراء والدراسات المتاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر نصيحة طبية. يجب دائمًا استشارة الطبيب المختص قبل تجربة أي علاج.