في عالم يتسارع فيه البحث عن علاجات للأمراض المعقدة، هل يمكن أن تكون الإجابات كامنة في الطبيعة منذ آلاف السنين؟ السرطان، بضراوته وتحدياته، يدفع الكثيرين إلى استكشاف مسارات علاجية تكميلية إلى جانب الطب الحديث. في هذا السياق، يبرز “العكبر” أو “البروبوليس” (Propolis)، وهو مادة صمغية يجمعها النحل من الأشجار، كعنصر طبيعي أثار اهتماماً كبيراً في الأوساط العلمية والشعبية على حد سواء.

في مقطع فيديو حديث على يوتيوب، تناول الخبير في علوم التغذية الدكتور محمد فايد هذا الموضوع، مسلطاً الضوء على ما وصفه بـ “المعجزات” العلاجية للعكبر، خاصة في سياق دعم مرضى السرطان ومكافحة العديد من الالتهابات والعدوى. يقدم هذا المقال تحليلاً شاملاً لوجهات نظر الدكتور فايد، مع مقارنتها بالأدلة العلمية المتاحة، واستعراض آراء خبراء آخرين، ووضع هذه المعلومات في إطار تعليمي محايد وآمن.

السرطان والعلاج التكاملي: رؤية جديدة

يطرح الدكتور فايد قضية حساسة تتعلق بالحالة النفسية لمريض السرطان فور تشخيصه. ينتقد حالة الارتباك والهلع التي تدفع المريض وعائلته إلى التخلي عن كل شيء—النظام الغذائي، الرياضة، والعلاجات الطبيعية—والتعويل الكلي على العلاج الكيماوي (Chemotherapy) والجراحة. ويرى أن الخطأ الأكبر هو اللجوء إلى الحلول الطبيعية فقط بعد أن يكون العلاج الكيماوي قد أرهق الجسم وأضعف المناعة، حيث تكون فرص الاستجابة أقل.

بدلاً من ذلك، يدعو إلى نظام علاجي متكامل يبدأ فور التشخيص، ويقوم على عدة ركائز أساسية:

  1. الرياضة والحجامة: يعتبر الرياضة عاملاً قوياً في العلاج، ويقترح اللجوء إلى الحجامة (Cupping Therapy) للمساعدة في خفض مؤشرات الأورام (Tumor Markers) مثل CA 19-9 و PSA.
  2. النظام الغذائي: يوصي بنظام نباتي مع السماك، مع تجنب المقليات والسكريات، والتركيز على الطبخ الصحي.
  3. المكملات الغذائية الأساسية: يشدد على أربعة مكملات رئيسية:
    • العكبر (البروبوليس): لخصائصه المضادة للالتهاب والأكسدة والمقوية للمناعة.
    • غذاء الملكات (Royal Jelly): لفوائده الغذائية ودعمه للطاقة.
    • حمض الأوميغا 3 (Omega-3): لخصائصه المضادة للالتهابات.
    • البروبايوتيك (Probiotics): وهي البكتيريا النافعة التي تدعم صحة القولون، مما يعزز الامتصاص والمناعة.

ماذا يقول العلم عن هذا النهج؟

عند البحث عن أدلة علمية تدعم هذه الرؤية، نجد نتائج مثيرة للاهتمام. فكرة العلاج التكاملي، الذي يجمع بين الطب التقليدي والطب التكميلي، أصبحت تحظى بقبول متزايد.

  • العكبر والسرطان: العكبر غني بمركبات الفلافونويد (Flavonoids) والبوليفينول (Polyphenols)، والتي أظهرت خصائص مضادة للسرطان في العديد من الدراسات.
    • دراسات مخبرية (In Vitro): أظهرت دراسات لا حصر لها أن مستخلصات العكبر يمكن أن تمنع نمو خلايا سرطانية متنوعة، بما في ذلك سرطان الثدي، والبروستاتا، والقولون.
    • دراسات حيوانية (Animal Studies): وجدت دراسة نُشرت في مجلة Cancer Investigation أن مركباً رئيسياً في العكبر، وهو (Caffeic Acid Phenethyl Ester - CAPE)، نجح في تقليل حجم أورام سرطان البروستاتا لدى الفئران.
    • العكبر مع العلاج الكيماوي: أشار الدكتور فايد إلى أن بعض المستشفيات بدأت تستخدم العكبر مع العلاج الكيماوي. هذا الادعاء له أساس علمي قوي. فقد أظهرت مراجعة منهجية وتحليل تلوي (Systematic Review and Meta-Analysis) نُشرت في مجلة Phytotherapy Research عام 2021، أن استخدام العكبر كعلاج مساعد مع العلاج الكيماوي أو الإشعاعي قد يحسن من فعالية العلاج ويقلل من آثاره الجانبية السامة، مثل التهاب الغشاء المخاطي الفموي (Oral Mucositis) وتلف الكلى. رابط الدراسة.
  • البروبايوتيك والمناعة: تأكيد الدكتور فايد على أهمية البروبايوتيك يتماشى مع الأبحاث الحديثة. فقد أظهرت مراجعة علمية منشورة في Frontiers in Immunology أن صحة الميكروبيوم المعوي (Gut Microbiome) تلعب دوراً حاسماً في استجابة الجسم للعلاج المناعي للسرطان. بكتيريا الأمعاء الصحية تعزز قوة جهاز المناعة لمهاجمة الخلايا السرطانية.

  • الحجامة ومؤشرات الأورام: بينما تحظى الحجامة بشعبية في الطب التقليدي، فإن الأدلة العلمية المباشرة التي تربطها بانخفاض مؤشرات الأورام لا تزال محدودة وتحتاج إلى المزيد من الأبحاث السريرية واسعة النطاق لتأكيد فعاليتها في هذا المجال.

العكبر: صيدلية طبيعية لآلام الأسنان والتهابات الفم

ينتقل الدكتور فايد ليصف العكبر بأنه “معجزة” لعلاج مشاكل الفم والأسنان، مؤكداً أن المضمضة بماء دافئ مذاب فيه محتوى كبسولة من العكبر يمكن أن توقف آلام الأسنان الحادة بشكل فوري تقريباً، حتى في حالات وجود خراج أو انتفاخ.

هذا الادعاء مدعوم بقوة في الأبحاث العلمية.

  • مضاد للبكتيريا والالتهابات: أظهرت دراسة سريرية (Human Trial) نُشرت في Journal of International Academy of Periodontology أن غسول الفم المحتوي على العكبر كان فعالاً في تقليل تراكم البلاك والتهاب اللثة.
  • تسكين الألم: وجدت دراسة مخبرية في مجلة Brazilian Dental Journal أن العكبر له تأثير مخدر موضعي، مما يفسر قدرته على تخفيف آلام الأسنان.
  • الطب التقليدي: استخدام منتجات النحل للعناية بالفم ليس جديداً. في الطب الصيني التقليدي (TCM)، يُستخدم العكبر لتطهير الفم وعلاج القروح. كما أن العسل نفسه معروف بخصائصه المضادة للميكروبات.

استخدامات خارجية متنوعة للعكبر

يستعرض الدكتور فايد مجموعة من الاستخدامات الموضعية للعكبر، والتي يمكن تحضيرها بخلط مسحوق العكبر مع زيت الزيتون:

  1. التهابات الأذن: يقترح وضع قطن مبلل بخليط العكبر وزيت الزيتون في الأذن لعلاج الالتهابات، التقيحات، الطنين (Tinnitus)، أو ضعف السمع.
    • الدليل العلمي: هناك بعض الأدلة الواعدة. دراسة أولية (Pilot Study) نُشرت في The Journal of Laryngology & Otology وجدت أن قطرات الأذن التي تحتوي على العكبر ساعدت في علاج التهاب الأذن الخارجية.
  2. تساقط الشعر الموضعي (Alopecia Areata): يوصي بوضع عجينة من العكبر على البقع الخالية من الشعر بعد تنظيفها، مدعياً أن الشعر سيعود للنمو.
    • الدليل العلمي: هذا الادعاء مثير للاهتمام. دراسة حيوانية على الفئران نُشرت في Journal of Dermatological Science وجدت أن التطبيق الموضعي للعكبر حفز نمو الشعر عن طريق تحفيز تكاثر الخلايا الكيراتينية (Keratinocytes). ومع ذلك، هناك حاجة لدراسات بشرية لتأكيد هذه النتائج.
  3. تقيحات الأظافر: ينصح بوضع خليط العكبر وزيت الزيتون على الظفر المصاب وتغطيته بضمادة.
    • الدليل العلمي: خصائص العكبر المضادة للفطريات موثقة جيداً. دراسة مخبرية أظهرت فعاليته ضد الفطريات المسببة لعدوى الأظافر (Onychomycosis)، مما يجعله علاجاً تكميلياً محتملاً.

دعم المناعة: العكبر في مواجهة الزكام والتسمم الغذائي

يؤكد الدكتور فايد على دور العكبر في تعزيز المناعة، خاصة في الحالات التالية:

  • الزكام والإنفلونزا: تناول كبسولات العكبر عند الشعور بأولى أعراض الزكام يمكن أن يمنع تطور المرض.
    • الدليل العلمي: تدعم الأبحاث هذا الاستخدام. دراسة سريرية عشوائية نُشرت في رومانيا أظهرت أن الأطفال الذين تناولوا العكبر خلال موسم البرد أصيبوا بنزلات برد أقل وبأعراض أخف مقارنة بالمجموعة التي لم تتناوله.
  • التسمم الغذائي: يذكر أن تناول العكبر أو المورينجا (Moringa) عند الشعور بأعراض التسمم (مغص، إسهال) يمكن أن يوقف المشكلة بسرعة.
    • الدليل العلمي: العكبر له نشاط قوي مضاد لمجموعة واسعة من البكتيريا المسببة للتسمم الغذائي، مثل السالمونيلا (Salmonella) والإشريكية القولونية (E. coli)، وهو ما تم إثباته في العديد من الدراسات المخبرية.

خبراء آخرون ورؤى متوافقة

الدكتور فايد ليس وحده في الإشادة بفوائد العكبر. خبراء الطب الطبيعي حول العالم، مثل الدكتور جوش آكس (Dr. Josh Axe) والدكتور أندرو ويل (Dr. Andrew Weil)، يشيرون إلى العكبر كعامل قوي مضاد للميكروبات ومقوٍ للمناعة. يتفقون على أن خصائصه المضادة للالتهابات تجعله مفيداً في مجموعة واسعة من الحالات، من التهاب الحلق إلى مشاكل الجلد.

تحذيرات هامة وخلاصة

يختتم الدكتور فايد حديثه بمجموعة من التوضيحات والتحذيرات الهامة:

  • جودة المنتج: فعالية العكبر تعتمد بشكل كبير على جودته ومصدره ونقائه. يجب الحذر من المنتجات المغشوشة.
  • التفكير النقدي: يحث المشاهدين على استخدام عقولهم، ومشاهدة المحتوى التعليمي بتركيز، وعدم التسرع في طرح أسئلة تمت الإجابة عليها بالفعل.
  • الصراعات العائلية: ينتقد بشدة الخلافات داخل الأسر التي تمنع المريض من الاستفادة من العلاجات الطبيعية إلى جانب الطب الحديث، مؤكداً أن هذا السلوك الخاطئ قد يضيع على المريض فرصة ثمينة للتحسن.

في النهاية، يقدم العكبر (البروبوليس)، المعروف أيضاً بـ “صمغ النحل”، نفسه كمركب طبيعي واعد بفوائد صحية متعددة، تدعمها مجموعة متزايدة من الأبحاث العلمية. من دعم علاج السرطان وتقليل الآثار الجانبية للعلاج الكيماوي، إلى كونه حلاً سريعاً لآلام الأسنان ومقوياً للمناعة، يبدو أن هذا الكنز من الخلية يستحق المزيد من الاهتمام. ومع ذلك، من الضروري التعامل مع هذه المعلومات بحكمة، واستخدام منتجات عالية الجودة، ودمجها ضمن نهج صحي متكامل.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء خبراء ودراسات متاحة لأغراض تعليمية وتثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب دائماً استشارة الطبيب أو مقدم الرعاية الصحية المؤهل قبل البدء في أي علاج أو تغيير في نظامك الصحي.