هل يمكن أن تكون فاكهة متواضعة وجافة، غالبًا ما يتم تجاهلها في الأسواق، هي الحل للعديد من الأمراض المزمنة التي نواجهها اليوم؟ في عالم يركز على السعرات الحرارية والبروتينات، قد نكون قد أهملنا كنوزًا غذائية حقيقية تكمن في الطبيعة. في حديث له على يوتيوب، سلط الخبير في علم التغذية، الدكتور محمد فايد، الضوء على فاكهة الخروب، وهي قرون جافة تمتلك خصائص صحية استثنائية قد تفوق بكثير ما هو موجود في الفواكه الأخرى.

يعرف الخروب في معظم البلدان العربية بهذا الاسم، مع بعض التسميات المحلية مثل “الخرنوب” في ليبيا، و”تيكيتا” أو “تسلغوا” باللغة الأمازيغية. ورغم توفره بكثرة في دول مثل المغرب والجزائر، إلا أنه لا يزال خارج الثقافة الغذائية للكثيرين، وهي مفارقة كبيرة بالنظر إلى فوائده المحتملة.

نقلة نوعية في علم التغذية: من المغذيات إلى المركبات النشطة

يشير الدكتور فايد إلى أن علم التغذية الحديث قد ارتكب خطأً فادحًا بتركيزه الحصري على المغذيات الكبرى (البروتينات والدهون والكربوهيدرات) والمغذيات الدقيقة (الفيتامينات والمعادن). يرى أن هذا المفهوم، الذي ساد في منتصف القرن العشرين، قد عفا عليه الزمن. العصر الحالي، كما يقول، هو عصر المركبات النباتية النشطة التي أهملها العلم طويلاً، مثل مضادات الأكسدة (Antioxidants)، والبريبيوتيك (Prebiotics) التي تغذي بكتيريا الأمعاء النافعة، والفيتوسترولات (Phytosterols)، والإنزيمات. هذه المركبات هي التي يحتاجها الجسم الآن لمواجهة أمراض العصر.

تركيبة الخروب الفريدة: قوة في الألياف والمعادن

قد يبدو الخروب فقيرًا بالمغذيات التقليدية، فهو يحتوي على نسبة منخفضة جدًا من السكريات (5-6 جرام لكل 100 جرام)، وهي أدنى نسبة بين جميع الفواكه. لكن قوته الحقيقية تكمن في مكوناته الأخرى:

  1. الألياف الغذائية الذائبة: يحتوي الخروب على نسبة عالية من الألياف، وتحديدًا البكتينات (Pectins) والجلاكتومنان (Galactomannan). هذه الألياف الرطبة تمتص الماء وتنتفخ في الجهاز الهضمي، مما يمنحها تأثيرات صحية متعددة. الجلاكتومنان هو نفس المركب الفعال الموجود في الحلبة، والمعروف بفوائده الصحية.
  2. حمض الجاليك (Gallic Acid): هو مركب بوليفينولي قوي له خصائص مضادة للأكسدة ومضادة للالتهابات. عند البحث عن الأدلة العلمية، وجدنا أن حمض الجاليك يُظهر نشاطًا مضادًا للسرطان في الدراسات المخبرية والحيوانية، حيث يمكن أن يثبط نمو الخلايا السرطانية ويحفز موتها المبرمج (Apoptosis)، كما ورد في دراسة منشورة في المعهد الوطني للصحة بالولايات المتحدة.
  3. معادن ثمينة ونادرة: الخروب مصدر غني بالمعادن الأساسية مع ميزة فريدة وهي أنه خالٍ تمامًا من الصوديوم (صفر صوديوم). يحتوي على تركيز عالٍ من البوتاسيوم، والكالسيوم (بنسبة تفوق الموجودة في النشويات والبقوليات)، بالإضافة إلى الفوسفور، المغنيسيوم، المنغنيز، والزنك، والنحاس، والسيلينيوم، وهي معادن حيوية لصحة الجسم والمناعة.

الفوائد الصحية للخروب المدعومة بالأدلة

بناءً على تركيبته الفريدة، يعدد الدكتور فايد مجموعة من الفوائد الصحية التي يمكن أن يقدمها الخروب عند إدراجه في نظام غذائي صحي.

1. دعم صحة القلب والأوعية الدموية

يذكر المتحدث أن الخروب يساهم في خفض ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول. يعود الفضل في ذلك إلى محتواه العالي من الألياف الغذائية والبوتاسيوم، مع انعدام الصوديوم. الألياف مثل البكتين والجلاكتومنان، بالإضافة إلى حمض الجاليك، تمنع تراكم الكوليسترول الضار (LDL) والدهون الثلاثية في الجسم.

ماذا يقول العلم؟ تدعم العديد من الدراسات هذا الادعاء. مراجعة علمية نشرت عام 2022 خلصت إلى أن ألياف الخروب لها تأثيرات مفيدة على مستويات الدهون في الدم. كما أظهرت تجربة سريرية على البشر أن استهلاك ألياف الخروب الغنية بالبوليفينول لمدة 6 أسابيع أدى إلى انخفاض كبير في الكوليسترول الكلي والكوليسترول الضار (LDL).

2. التحكم في الوزن وكبح الشهية

من أبرز خصائص الخروب، كما يقول الدكتور فايد، هي قدرته على كبح “هرمون الجريلين” (Ghrelin)، وهو الهرمون المسؤول عن الشعور بالجوع. عندما تنتفخ ألياف الخروب في المعدة بعد امتصاص الماء، فإنها تملأ حيزًا كبيرًا، مما يعطي إحساسًا بالشبع لفترة طويلة ويقلل من الرغبة في تناول الطعام. لهذا السبب، كان الناس يتناولونه في وجبة السحور خلال شهر رمضان.

ماذا يقول العلم؟ الأبحاث الحديثة تؤكد هذا التأثير. دراسة أجريت على متطوعين أصحاء وجدت أن تناول وجبة غنية بألياف الخروب أدى إلى انخفاض مستويات هرمون الجريلين وزيادة الشعور بالشبع. هذا يجعله أداة فعالة للمساعدة في إنقاص الوزن عند دمجه في نظام غذائي متوازن.

3. تنظيم مستويات السكر في الدم

يشدد الدكتور فايد على أن الخروب يمنع الارتفاع الحاد للسكر في الدم بعد الوجبات، وهي حالة تعرف بـ “Postprandial Hyperglycemia”. هذه الخاصية تجعله مفيدًا جدًا لمرضى السكري بنوعيه الأول والثاني. تناول ملعقة كبيرة من مسحوق الخروب في الصباح يمكن أن يساعد في الحفاظ على استقرار مستويات الجلوكوز.

ماذا يقول العلم؟ الخروب له مؤشر جلايسيمي منخفض جدًا، مما يعني أنه لا يسبب ارتفاعًا سريعًا في سكر الدم. علاوة على ذلك، يحتوي على مركب “دي-بينيتول” (D-pinitol)، الذي أظهرت دراسات متعددة قدرته على تحسين حساسية الأنسولين وتنظيم نسبة السكر في الدم. دراسة إسبانية عام 2021 وجدت أن مستخلص الخروب الغني بالبينيتول يحسن التحكم في نسبة السكر في الدم لدى الأشخاص الذين يعانون من مقدمات السكري.

4. علاج فعال للإسهال

بفضل قدرة أليافه على امتصاص كميات كبيرة من الماء، يعمل الخروب على “تصلب” الفضلات السائلة في الأمعاء، مما يجعله علاجًا طبيعيًا وفعالًا لوقف الإسهال، سواء كان حادًا أو مزمنًا. وكونه خاليًا من الغلوتين، فهو آمن تمامًا للأشخاص الذين يعانون من حساسية القمح (مرض سيلياك) أو داء كرون.

ماذا يقول العلم؟ استخدام الخروب لعلاج الإسهال موثق جيدًا، خاصة عند الأطفال. تجربة سريرية مزدوجة التعمية أظهرت أن مسحوق قرون الخروب قلل بشكل كبير من مدة الإسهال لدى الرضع مقارنة بالدواء الوهمي. يُعزى هذا التأثير إلى محتواه من الألياف والتانينات (Tannins) التي تساعد على امتصاص الماء وتهدئة الجهاز الهضمي.

مفارقة اقتصادية: كنز محلي يُهدر

ينتقل الدكتور فايد إلى نقطة حاسمة ومؤسفة: على الرغم من أن بلداناً مثل المغرب والجزائر من أكبر منتجي الخروب في العالم، إلا أن هذه الفاكهة لا تصل إلى المستهلك المحلي. يتم استغلالها بطريقة “بشعة”، حيث تُصدر الحبيبات الداخلية (اللوزة) لاستخلاص مستحلبات صناعية باهظة الثمن بعد معالجتها بحمض الكبريتيك، بينما يُلقى بباقي القرون كعلف للماشية.

يتساءل المتحدث بحرقة: “لماذا يباع الخروب في محلات الأعشاب (المعشبات) وكأنه دواء، بدلاً من بيعه في الأسواق مع الفواكه الجافة والحبوب؟” ويرى أن العقلية التي تفضل التصدير على حساب حاجة المواطن هي سبب حرمان الناس من هذه النعمة التي تنبت أمام أعينهم، بينما يتم استيراد الأغذية المصنعة والوجبات السريعة التي تسبب الأمراض.

الخروب في الطب التقليدي العالمي

لم تقتصر معرفة فوائد الخروب على منطقتنا. في الطب اليوناني القديم، استخدم الخروب لخصائصه المهدئة للجهاز الهضمي. كما أن له حضورًا في أنظمة الطب التقليدي الأخرى في حوض البحر الأبيض المتوسط كغذاء وظيفي ومقوٍ. يتفق العديد من خبراء التغذية العالميين، مثل الدكتور جوش آكس والدكتور أندرو ويل، على أهمية الأطعمة الغنية بالألياف والمنخفضة في المؤشر الجلايسيمي، مثل الخروب، كجزء أساسي من أي نظام غذائي يهدف إلى الوقاية من الأمراض المزمنة وعلاجها.

في الختام، يقدم الخروب نفسه كنموذج مثالي للغذاء الذي تم تجاهله، والذي يحمل في طياته حلولاً بسيطة وطبيعية لمشاكل صحية معقدة. إن إعادة اكتشاف هذه الفاكهة ودمجها في نظامنا الغذائي اليومي قد لا تكون مجرد خطوة نحو صحة أفضل، بل هي أيضًا دعوة لإعادة تقييم ثرواتنا الطبيعية وتقديرها حق قدرها.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء خبراء ودراسات متاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يرجى استشارة الطبيب قبل إجراء أي تغييرات على نظامك الصحي.