في عالم يركز فيه خبراء التغذية بشكل شبه حصري على السعرات الحرارية والبروتينات والكربوهيدرات، قد نكون أغفلنا جانبًا أكثر أهمية لصحتنا: المركبات النباتية الواقية. ماذا لو كانت الأطعمة التي اعتبرها أجدادنا أساسية تحمل مفتاح الوقاية من أمراض العصر؟ في فيديو حديث، تناول الخبير الدكتور محمد فائد هذا الموضوع، مسلطًا الضوء على أغذية قوية وضرورية للجسم، ومحذرًا في الوقت ذاته من وباء الغش الغذائي الذي يحول هذه الأطعمة إلى خطر محتمل.

يرى الدكتور فائد أن علم التغذية الحديث (Nutrition) قد اختزل الغذاء في مكوناته الأساسية، متجاهلاً علم الأغذية (Food Science) الذي يدرس المركبات الدقيقة مثل البوليفينولات، الفلافونويدات، الفيتوستيرولات، والإنزيمات. هذه المركبات، حسب قوله، هي خط الدفاع الأول للجسم في مواجهة الأمراض المزمنة التي أصبحت سمة عصرنا، والتي يعزوها بشكل مباشر إلى الأخطاء الغذائية وتهور نمط العيش.

كنوز غذائية مهملة على موائدنا

انتقد الدكتور فائد الخطاب السائد الذي يمجد اللحوم والبيض والحليب كمصادر أساسية للبروتين، معتبرًا أن هناك ما هو أهم منها، وهي مضادات الأكسدة. وقدم قائمة بأمثلة لأغذية قوية يجب أن تكون جزءًا من نظامنا الغذائي اليومي، لا أن تقتصر على المناسبات.

1. التمر: طاقة فورية وحماية للدماغ

أول مادة غذائية بدأ بها الدكتور فائد هي التمر، الذي وصفه بأنه مادة يتهور معها الناس، حيث يقتصر استهلاكه في الغالب على شهر رمضان. وأكد أن التمر كان غذاءً أساسيًا يعيش عليه الإنسان بكميات كبيرة، وليس مجرد حبات معدودة. وفي هذا السياق، انتقد بشدة حديث “سبع تمرات”، معتبرًا إياه مكذوبًا ويتناقض مع المنطق العلمي والغذائي، داعيًا إلى استهلاك التمر بكميات وافرة كحفنة أو حفنتين.

الخصائص الغذائية للتمر:

  • طاقة سريعة الامتصاص: يتميز التمر بأنه لا يتطلب طاقة لهضمه، حيث يمر مباشرة من المعدة إلى الأمعاء ليتم امتصاص سكرياته البسيطة (الجلوكوز والفركتوز والمالتوز).
  • غني بالمعادن والفيتامينات: يحتوي على البوتاسيوم، المغنيسيوم، الحديد، واليود، بالإضافة إلى فيتامين (ب) والبيوتين.
  • مهدئ للأعصاب ومقوٍ للقلب: بفضل محتواه من المغنيسيوم واليود وفيتامين (ب)، يساعد التمر على تهدئة الأعصاب وتقوية عضلة القلب.
  • حماية من الزهايمر: أشار إلى أن التمر يكبح تراكم “الأميلويد بيتا” (Amyloid beta)، وهي لويحات بروتينية يُعتقد أن تراكمها في الدماغ يسبب مرض الزهاimer.

الأدلة العلمية: تدعم الأبحاث ما ذكره الدكتور فائد. دراسة مراجعة نُشرت في مجلة Neural Regeneration Research عام 2015 أشارت إلى أن للتمر خصائص واعدة في حماية الأعصاب، حيث أظهرت دراسات (in vitro وعلى الحيوانات) أن مستخلصات التمر يمكن أن تقلل من الالتهاب والإجهاد التأكسدي في الدماغ، وهي عوامل مرتبطة بأمراض مثل الزهايمر. كما أن غناه بالبوتاسيوم يجعله مفيدًا لصحة القلب والأوعية الدموية، وهو ما تؤكده جمعية القلب الأمريكية. يتفق معه خبراء مثل الدكتور جوش آكس (Dr. Josh Axe) الذي يعتبر التمر مصدرًا ممتازًا للألياف والطاقة الطبيعية.

2. زيت الزيتون: إكسير الشباب ومضاد للشيخوخة

المادة الثانية التي شدد عليها هي زيت الزيتون، الذي يجب أن يُستهلك يوميًا وبكميات كافية في جميع المأكولات.

الفوائد الرئيسية لزيت الزيتون:

  • مضادات أكسدة قوية: يحتوي على مركبات فريدة مثل الأوليوكانثال (Oleocanthal)، التيروزول (Tyrosol)، والهيدروكسي تيروزول (Hydroxytyrosol)، وهي من أقوى مضادات الأكسدة في الطبيعة.
  • مكافحة الشيخوخة: بفضل محتواه العالي من فيتامين E ومضادات الأكسدة، يعتبر زيت الزيتون فعالًا في محاربة الجذور الحرة التي تسبب شيخوخة الخلايا.
  • طاقة نظيفة: يوفر دهونًا ثمينة تمنح الجسم طاقة عالية دون أن تخلف جذورًا حرة ضارة، مما يجعله مثاليًا للرياضيين وأصحاب المجهود البدني.

الأدلة العلمية: زيت الزيتون البكر الممتاز هو حجر الزاوية في حمية البحر الأبيض المتوسط، التي تعتبر من أكثر الأنظمة الغذائية ارتباطًا بالصحة وطول العمر. مركب الأوليوكانثال حظي باهتمام كبير، حيث أظهرت دراسات (in vitro) أن له تأثيرًا مضادًا للالتهابات مشابهًا لدواء الإيبوبروفين. دراسة نشرت في Journal of the American College of Cardiology ربطت بين تناول كميات أعلى من زيت الزيتون وانخفاض خطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والأمراض التنفسية والعصبية. هذا الرأي يشاركه فيه خبراء عالميون مثل الدكتور والتر ويليت (Dr. Walter Willett) من جامعة هارفارد.

3. اللوز والجوز: غذاء الدماغ والقلب

انتقل الدكتور فائد للحديث عن اللوز والجوز، مؤكدًا على ضرورة استهلاكهما يوميًا وليس فقط في المناEسبات، مع تفضيل الأنواع المحلية غير المعدلة وراثيًا.

التركيبة الغذائية للوز والجوز:

  • دهون صحية: يحتويان على حمض الأوميغا 3، وهو حمض دهني أساسي مضاد للالتهابات ومهم لصحة الدماغ.
  • معادن وفيتامينات: مصدر غني بالمغنيسيوم، النحاس، الكالسيوم، المنجنيز، وفيتامين E (الطوكوفيرول)، وهو مضاد قوي للأكسدة.
  • بروتين وألياف: يوفران نسبة جيدة من البروتين النباتي والألياف الغذائية التي تساعد على مكافحة الإمساك.

الأدلة العلمية: توصي العديد من الهيئات الصحية بتناول حفنة من المكسرات يوميًا. دراسة تحليلية شاملة (meta-analysis) نشرت في BMC Medicine وجدت أن تناول 28 غرامًا من المكسرات يوميًا يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية والسرطان والوفيات الناجمة عن جميع الأسباب. يُعرف الجوز بشكل خاص بدوره في دعم صحة الدماغ بفضل محتواه العالي من الأوميغا 3. وفي الطب الهندي القديم (الأيورفيدا)، يُعتبر اللوز غذاءً مقويًا للدماغ (Medhya Rasayana).

4. بذور الكتان: كنز من الأوميغا 3 والألياف

ركز الدكتور فائد على أهمية بذور الكتان (زريعة الكتان)، داعيًا إلى إدماجها في جميع المأكولات بشكل يومي، خاصة للأطفال لدورها في دعم النمو.

الأدلة العلمية: بذور الكتان هي أغنى مصدر نباتي بحمض ألفا لينولينيك (ALA)، وهو أحد أنواع الأوميغا 3. كما أنها تحتوي على مركبات الليغنان (Lignans)، وهي فيتوستروجينات (phytoestrogens) لها خصائص مضادة للأكسدة ومضادة للسرطان. أظهرت دراسات بشرية أن استهلاك بذور الكtan يمكن أن يساعد في خفض ضغط الدم والكوليسترول وتحسين صحة الجهاز الهضمي بفضل محتواها العالي من الألياف القابلة للذوبان وغير القابلة للذوبان.

وباء الغش الغذائي: كيف تحمي نفسك؟

الجزء الثاني والأكثر إثارة للقلق في حديث الدكتور فائد كان عن الغش الغذائي. وضع قاعدة عامة: “كل مادة يرتفع ثمنها، يطالها الغش”. وحذر من أن تقنيات الغش أصبحت متطورة للغاية، مما يجعل من الصعب على المستهلك العادي اكتشافها.

  1. زيت الزيتون: حذر من أن زيت الزيتون سيكون مغشوشًا على نطاق واسع هذا العام بسبب ارتفاع سعره وقلة الإنتاج. يتم خلطه بزيوت نباتية رخيصة (زيت المائدة) وحتى زيوت محركات، مع إضافة أقراص تعطي اللون والرائحة المميزة لزيت الزيتون. نصيحته كانت واضحة: انتظر موسم الجني (شهري نوفمبر وديسمبر)، واشترِ الزيتون وقم بعصره بنفسك، أو اشترِ من شركات موثوقة ومضمونة.

  2. العسل: وصفه بأنه المادة الغذائية رقم واحد عالميًا من حيث التعرض للغش. يمكن تصنيعه بسهولة في المنزل باستخدام شراب الذرة عالي الفركتوز (Corn Syrup) ومكونات أخرى لإعطاء اللون والرائحة والقوام الشبيه بالعسل الطبيعي.

  3. التوابل والقهوة المطحونة: أكد أنها مغشوشة في الغالب، حيث تُخلط بمواد رخيصة ومشابهة في الشكل (مثل بيع “الأكاسيا” على أنها قرفة). نصيحته هي شراء التوابل والقهوة على شكلها الأصلي (حبوب، جذور، أعواد) وطحنها في المنزل.

  4. اللحوم: كشف عن ممارسة خطيرة يقوم بها بعض الجزارين، وهي إضافة مسحوق النيتريت (Salpeter) إلى اللحوم للحفاظ على لونها الأحمر الزاهي، منع نمو الجراثيم، ومنع فقدان الماء. النيتريت يمكن أن يتحول في الجسم إلى مركبات النتروزامين (Nitrosamines) المسرطنة.

الخلاصة: العودة إلى الأصل

يقدم الدكتور فائد رؤية تجمع بين الحكمة التقليدية والوعي الحديث. فمن جهة، يدعونا إلى إعادة اكتشاف القيمة الحقيقية للأغذية الكاملة والطبيعية التي شكلت أساس صحة أجدادنا. ومن جهة أخرى، يطلق ناقوس الخطر حول المخاطر الخفية في نظامنا الغذائي الحديث، حيث أصبح الربح السريع دافعًا للغش الذي يهدد صحة الناس. الرسالة النهائية واضحة: كن واعيًا بما تأكل، اختر الأطعمة الكاملة والطبيعية، وتعلم كيف تحمي نفسك من الاحتيال الغذائي بالعودة إلى المصادر الموثوقة والأصلية قدر الإمكان.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء الخبير والدراسات المتاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية.