هل يمكن أن يكون علاج تساقط الشعر أبسط مما نتخيل، وموجودًا في صميم نظامنا الغذائي؟ في عالمٍ تمتلئ فيه الأسواق بالحلول الموضعية باهظة الثمن، من الشامبوهات المتخصصة إلى الأدوية ذات الآثار الجانبية المحتملة، يظهر توجه متزايد نحو فهم الأسباب الجذرية للمشكلة. في مقطع فيديو حديث على يوتيوب، طرح متحدث متخصص في التغذية منظورًا مثيرًا للاهتمام، مؤكدًا أن مفتاح استعادة الشعر الصحي والقوي لا يكمن في حبة سحرية، بل في فهم عميق لكيفية تأثير الطعام الذي نتناوله على بيولوجيا أجسامنا، بدءًا من صحة الأمعاء وصولًا إلى التوازن الهرموني.

يطرح المتحدث فكرة أن الشعر، بكونه نسيجًا بروتينيًا في الأساس، يعتمد بشكل حاسم على توافر لبنات بناء محددة، أهمها حمض أميني أساسي يُدعى “اللايسين” (Lysine). هذا المقال يغوص في تفاصيل هذه النظرية، ويستكشف النقاط الرئيسية التي أثارها المتحدث، مع تدعيمها بالأدلة العلمية المتاحة، وربطها بوجهات نظر خبراء آخرين، واستعراض أوجه التشابه مع أنظمة الطب التقليدي العريقة، لتقديم دليل شامل ومتوازن لكل من يسعى لاستعادة حيوية شعره.

حجر الزاوية: أهمية البروتين وحمض اللايسين

في بداية تحليله، يوضح المتحدث أن الشعر يتكون أساسًا من البروتين، وتحديدًا نوع من الكولاجين. لكنه يشدد على أن مجرد تناول أي بروتين لا يكفي. الجودة والنوعية هما العاملان الحاسمان، وهنا يبرز دور “اللايسين” (Lysine)، وهو حمض أميني أساسي لا يستطيع الجسم تصنيعه بنفسه ويجب الحصول عليه من الغذاء. وفقًا للمتحدث، يعتبر اللايسين أحد أهم الأحماض الأمينية لنمو الشعر، حيث يساهم في قوته ومرونته.

ويشير إلى أن أفضل مصادر اللايسين هي البروتينات الحيوانية، وعلى رأسها اللحوم الحمراء والبيض، بينما تعد البروتينات النباتية والحبوب مصادر ضعيفة نسبيًا. ويوصي بتناول ما بين 6 إلى 8 أونصات (حوالي 170-225 جرامًا) من البروتين عالي الجودة مرتين يوميًا.

ماذا يقول العلم؟ عند البحث عن أدلة علمية تدعم هذا الادعاء، نجد أن العلاقة بين البروتين وصحة الشعر موثقة جيدًا. الشعر يتكون من بروتين الكيراتين، ونقص البروتين في النظام الغذائي يمكن أن يؤدي إلى حالة تُعرف بـ “تساقط الشعر الكربي” (Telogen Effluvium)، حيث تدخل نسبة كبيرة من بصيلات الشعر في مرحلة الراحة ثم تتساقط.

أما عن دور اللايسين تحديدًا، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أهميته. على سبيل المثال، وجدت دراسة نشرت في مجلة Clinical and Experimental Dermatology أن نقص الحديد وحمض اللايسين الأميني قد يكونان عاملين مهمين في تساقط الشعر لدى بعض النساء. وأظهرت الدراسة أن المكملات التي تحتوي على اللايسين والحديد ساعدت في زيادة مستويات الفيريتين (مخزون الحديد) وتقليل تساقط الشعر. هذا يدعم نقطة أخرى أثارها المتحدث، وهي أن اللايسين يساعد على امتصاص الحديد.

العلاقة الخفية بين اللايسين والحديد

يؤكد المتحدث أن نقص الحديد هو سبب شائع لتساقط الشعر، وهي حالة تُعرف بفقر الدم (Anemia). الحديد ضروري لإنتاج الهيموجلوبين في خلايا الدم الحمراء، والذي ينقل الأكسجين إلى جميع أنحاء الجسم، بما في ذلك بصيلات الشعر. بدون كمية كافية من الأكسجين والمغذيات، تضعف البصيلات ويتساقط الشعر. المثير للاهتمام، كما ذكر، هو أن اللايسين لا يعزز قوة الشعر بشكل مباشر فحسب، بل يساعد الجسم أيضًا على امتصاص وتخزين الحديد بكفاءة أكبر. وتعتبر اللحوم الحمراء، وخاصة اللحوم العضوية مثل الكبد، من أغنى المصادر بالحديد سهل الامتصاص (حديد الهيم) واللايسين معًا.

أدلة علمية وآراء الخبراء: العلاقة بين نقص الحديد وتساقط الشعر حقيقة طبية معترف بها. يؤكد أطباء الجلدية مثل الدكتورة شاري مارشبين، الأستاذة المساعدة في طب الجلد بجامعة نيويورك، أن فحص مستويات الفيريتين هو خطوة روتينية عند تقييم حالات تساقط الشعر.

أما عن دور اللايسين في امتصاص الحديد، فقد أظهرت دراسات (أغلبها قديم أو على نماذج حيوانية) أن اللايسين يمكن أن يشكل مركبات قابلة للذوبان مع الحديد، مما يسهل امتصاصه في الأمعاء. ورغم أن الآلية الدقيقة لا تزال قيد البحث، فإن التآزر بين هذين العنصرين الغذائيين يقدم تفسيرًا بيولوجيًا قويًا لسبب كون الأنظمة الغذائية الغنية باللحوم الحمراء مفيدة لصحة الشعر.

محور القوة: صحة الأمعاء وتأثيرها على الشعر

يقدم المتحدث تشبيهًا بليغًا، حيث يصف الجهاز الهضمي بأنه “جذور” الجسم، بينما الشعر هو “النبات” الذي نراه على السطح. صحة النبات تعكس صحة جذوره، وبالمثل، صحة الشعر تعكس صحة الأمعاء. ويشير إلى أن الالتهابات المعوية، التي قد تنتج عن تناول أطعمة مثل الحبوب المحتوية على الغلوتين لدى الأشخاص الحساسين، يمكن أن تؤدي إلى سوء امتصاص العناصر الغذائية الحيوية مثل اللايسين والمعادن الأخرى، مما يسبب تساقط الشعر.

وهذا، حسب رأيه، قد يفسر لماذا يلاحظ بعض الأشخاص الذين يتبعون “حمية الكارنيفور” (Carnivore Diet)، التي تقتصر على المنتجات الحيوانية فقط، تحسنًا في نمو شعرهم. فهو يرى أن هذه الحمية قد تساعد في شفاء الأمعاء الملتهبة.

كما يتطرق إلى أهمية الميكروبيوم المعوي (البكتيريا الصديقة في الأمعاء). يمكن أن يؤدي اختلال التوازن الجرثومي (Dysbiosis)، الناتج عن عوامل مثل تناول المضادات الحيوية، إلى التأثير على الميكروبيوم الموجود على سطح الجلد وفروة الرأس، مما يسبب مشاكل مثل القشرة وتساقط الشعر. ولهذا السبب، قد يلاحظ البعض تحسنًا في شعرهم عند تناول البروبيوتيك (Probiotics) من خلال الأطعمة المخمرة مثل مخلل الملفوف (الساوركراوت)، الكيمتشي، والكفير.

الأدلة العلمية والطب التقليدي: مفهوم “محور الأمعاء-الجلد” (Gut-Skin Axis) هو مجال بحثي متنامٍ. تشير مراجعة علمية نشرت في مجلة Microorganisms عام 2021 إلى أن الميكروبيوم المعوي يؤثر على صحة الجلد من خلال مسارات مناعية وعصبية وهرمونية معقدة. ويمتد هذا التأثير ليشمل ملحقات الجلد مثل الشعر. وجدت دراسة (على الفئران) نشرت في مجلة Cell Reports أن إعطاء سلالات معينة من بكتيريا البروبيوتيك أدى إلى تحسين كثافة الشعر ولمعانه.

هذه الفكرة ليست جديدة تمامًا. في الطب الهندي القديم (الأيورفيدا)، يُعتبر “أجني” (Agni) أو نار الهضم هو مفتاح الصحة العامة. ضعف الهضم يؤدي إلى تراكم السموم (Ama) التي تنتشر في الجسم وتسبب الأمراض، بما في ذلك مشاكل الشعر. وبالمثل، في الطب الصيني التقليدي، ترتبط صحة الشعر بقوة “طاقة تشي” (Qi) في الطحال والمعدة، وهما العضوان المسؤولان عن الهضم وامتصاص العناصر الغذائية.

الهرمونات وتساقط الشعر: كبح جماح هرمون DHT

ينتقل المتحدث للحديث عن أحد الأسباب الرئيسية للصلع الوراثي (Androgenetic Alopecia)، وهو هرمون الديهيدروتستوستيرون (DHT)، وهو شكل قوي جدًا من هرمون التستوستيرون. يمكن أن يرتبط هذا الهرمون ببصيلات الشعر لدى الأشخاص ذوي الاستعداد الوراثي، مما يؤدي إلى تقليصها تدريجيًا (miniaturization) حتى تتوقف عن إنتاج الشعر. الأدوية الشائعة مثل الفيناسترايد تعمل عن طريق تثبيط الإنزيم الذي يحول التستوستيرون إلى DHT.

لكن المتحدث يركز على المثبطات الطبيعية لهرمون DHT، ويذكر منها:

  1. الزنك (Zinc): معدن أساسي موجود بكثرة في اللحوم الحمراء.
  2. اللايسين (Lysine): الحمض الأميني نفسه يمكن أن يساهم في تثبيط DHT.
  3. زيت بذور اليقطين (Pumpkin Seed Oil): يُعرف في بعض الدول العربية باسم زيت بذور القرع.
  4. مستخلص الشاي الأخضر (Green Tea Extract): بفضل مركب EGCG.
  5. جذر نبات القراص (Stinging Nettle Root): يُعرف أيضًا بالقريص أو الحريقة.

ماذا يقول العلم؟

  • الزنك: أظهرت دراسات (In Vitro) أن الزنك يمكن أن يثبط نشاط إنزيم 5-alpha-reductase، وهو الإنزيم المسؤول عن تحويل التستوستيرون إلى DHT.
  • زيت بذور اليقطين: دراسة (تجربة سريرية عشوائية مزدوجة التعمية) نشرت في Evidence-Based Complementary and Alternative Medicine عام 2014 على رجال يعانون من الصلع الوراثي، وجدت أن المجموعة التي تناولت 400 ملغ من زيت بذور اليقطين يوميًا لمدة 24 أسبوعًا شهدت زيادة في عدد الشعر بنسبة 40%، مقارنة بـ 10% فقط في مجموعة الدواء الوهمي.
  • الشاي الأخضر: المركب الرئيسي فيه، (Epigallocatechin gallate - EGCG)، أظهر في دراسات (مخبرية وعلى حيوانات) قدرته على تقليل تأثير DHT على بصيلات الشعر وتحفيز نموها.
  • جذر القراص: يُستخدم تقليديًا لدعم صحة البروستاتا، وهي حالة أخرى مرتبطة بـ DHT. تشير الأبحاث الأولية إلى أنه قد يمنع ارتباط DHT بمستقبلاته.

الإجهاد: العدو الصامت للشعر

يختتم المتحدث بالإشارة إلى أن الإجهاد المزمن هو سبب رئيسي لتساقط الشعر. الإجهاد يرفع مستويات هرمون الكورتيزول (Cortisol) بشكل مستمر. الكورتيزول هو هرمون “تقويضي” (Catabolic)، أي أنه يكسر الأنسجة في الجسم، بما في ذلك بروتينات الشعر، مما يؤدي إلى تساقط الشعر الكربي.

ويضيف أن الإجهاد يستنزف مخزون الجسم من العناصر الغذائية الهامة مثل الزنك وفيتامينات ب (خاصة B1, B5, B12). نقص فيتامين ب12، على سبيل المثال، يمكن أن يسبب نوعًا من فقر الدم، مما يؤدي بدوره إلى تساقط الشعر. ويوصي بتناول خميرة البيرة الغذائية (Nutritional Yeast) كمصدر غني بفيتامينات ب.

الأدلة العلمية: العلاقة بين الإجهاد النفسي وتساقط الشعر موثقة جيدًا في الأدبيات الطبية. وجدت دراسة (مراجعة) نشرت في Journal of Drugs in Dermatology أن الكورتيزول يمكن أن يؤثر سلبًا على دورة نمو الشعر ويدفع البصيلات إلى مرحلة التساقط المبكر. كما أن الإجهاد يزيد من الطلب على المغذيات الدقيقة، مما يجعل الجسم أكثر عرضة للنقص الغذائي الذي يؤثر على الشعر.

خلاصة شاملة لاستعادة شعرك

يقدم المتحدث في هذا الفيديو رؤية متكاملة ومترابطة لصحة الشعر، تتجاوز الحلول السطحية لتركز على أربعة محاور أساسية:

  1. التغذية القائمة على البروتين عالي الجودة: التركيز على مصادر غنية بحمض اللايسين مثل اللحوم الحمراء والبيض لضمان توفير اللبنات الأساسية للشعر وتعزيز امتصاص الحديد.
  2. صحة الجهاز الهضمي: علاج أي التهابات معوية وضمان توازن الميكروبيوم من خلال نظام غذائي صحي وربما إضافة الأطعمة المخمرة (البروبيوتيك).
  3. التوازن الهرموني: استخدام مثبطات طبيعية لهرمون DHT مثل الزنك، زيت بذور اليقطين، والشاي الأخضر، إذا كان الصلع الوراثي هو المشكلة.
  4. إدارة الإجهاد: تقليل مستويات الكورتيزول من خلال تقنيات الاسترخاء وضمان الحصول على كميات كافية من الزنك وفيتامينات ب.

إنها دعوة للنظر إلى الجسم كنظام متكامل، حيث صحة الشعر ليست مجرد مسألة جمالية، بل هي مرآة تعكس صحتنا الداخلية العميقة.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء خبراء ودراسات متاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب دائمًا استشارة الطبيب أو أخصائي الرعاية الصحية قبل إجراء أي تغييرات جوهرية على نظامك الغذائي أو الصحي.