في عالم أصبحت فيه أمراض القلب والشرايين السبب الأول للوفيات عالميًا، قد يبدو الحديث عن علاج طبيعي فعال ضربًا من الخيال. لكن ماذا لو كانت العودة إلى حكمة الأجداد الغذائية، مدعومة بالعلم الحديث، تحمل مفتاح الحل؟ في مقطع فيديو حديث، طرح خبير التغذية، الدكتور محمد الفايد، نظامًا غذائيًا وعلاجيًا متكاملًا يهدف إلى مواجهة أمراض القلب والشرايين، ليس فقط للوقاية منها، بل وربما لعكس مسارها، معتمدًا على مكونات طبيعية بسيطة ومتاحة للجميع.

يطرح الدكتور الفايد فكرة أن الثقافة الغذائية الحديثة، التي تعتمد على عدد محدود من الأطعمة المتاحة على مدار العام، قد أفقدتنا المعرفة الواسعة التي كانت لدى أجدادنا بالأعشاب والبقول الموسمية وخشاش الأرض. هذا الابتعاد عن الطبيعة، برأيه، هو أحد الأسباب الجذرية لتفشي الأمراض المزمنة. ويشير إلى أن أمراض القلب والشرايين، التي تشمل انسداد الشرايين والصمامات، والجلطات الدماغية، والشلل، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكوليسترول، والغرغرينا لدى مرضى السكري، يمكن التعامل معها بفعالية عبر بروتوكول غذائي صارم.

القاعدة الأولى: الممنوعات الصارمة أساس العلاج

يؤكد الدكتور الفايد أن أي محاولة للعلاج ستفشل ما لم يتم التوقف التام عن تناول مسببات المرض. ويعتبر أن الطب الحديث يقع في خطأ فادح حينما يسمح لمرضى القلب بتناول اللحوم، حتى وإن كانت بكميات قليلة.

1. جميع المنتجات الحيوانية: يضع الخبير قائمة ممنوعات صارمة على رأسها جميع أنواع اللحوم (حمراء وبيضاء، بما في ذلك الدواجن والديوك الرومية)، بالإضافة إلى الحليب ومشتقاته والبيض. السبب العلمي وراء هذا المنع هو احتواء هذه المنتجات على عاملين رئيسيين يساهمان في تصلب الشرايين: الدهون المشبعة (Saturated Fats) والكوليسترول. عند اجتماعهما، يرفعان من مستوى الهوموسيستين (Homocysteine)، وهو حمض أميني يؤدي ارتفاعه إلى خدش الجدران الداخلية للشرايين، مما يهيئ البيئة لترسب الدهون وتكوين الجلطات. - دليل علمي: تدعم هذا الرأي دراسات عديدة. على سبيل المثال، خلصت مراجعة منهجية وتحليل تلوي (meta-analysis) واسع النطاق نُشر في مجلة Circulation عام 2017 إلى أن استبدال الدهون المشبعة بالدهون غير المشبعة، خاصة المتعددة، يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بشكل كبير. كما أن خبراء عالميين مثل الدكتور Caldwell Esselstyn والدكتور Dean Ornish بنوا برامجهم العلاجية الناجحة لعكس أمراض القلب على أنظمة غذائية نباتية خالية تمامًا من المنتجات الحيوانية.

2. الأطعمة المصنعة والمعلبة: يمنع النظام استهلاك جميع المواد التي خضعت للتصنيع، لأنها تحتوي على كميات هائلة من الملح الخفي (الصوديوم)، سواء ملح الطعام أو الغلوتامات أحادية الصوديوم (MSG)، والتي ترفع ضغط الدم بشكل مباشر.

3. الزيوت المهدرجة والسكر والدقيق الأبيض: تُمنع زيوت المائدة الصناعية منعًا باتًا لاحتوائها على الدهون المتحولة (Trans Fats)، وهي دهون صناعية ثبت علميًا أنها تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري والسرطان. كما يُمنع السكر المكرر والدقيق الأبيض لأنهما يساهمان في الالتهابات ويزيدان من عبء المرض.

النظام الغذائي البديل: العودة إلى الطبيعة

بعد إزالة المسببات، يطرح الدكتور الفايد نظامًا غذائيًا غنيًا بالعناصر التي تحمي وتصلح الشرايين:

  • الأسماك بدلاً من اللحوم: يُعتبر السمك إجباريًا في هذا النظام، فهو مصدر بروتين نظيف وخالٍ من الدهون المشبعة، والأهم أنه غني بـحمض الأوميغا 3 (Omega-3)، الذي يُعتبر المكون رقم واحد لحماية القلب، حيث يقلل الالتهابات ويمنع تجلط الدم ويخفض الدهون الثلاثية.
  • زيت الزيتون البكر: يجب أن يكون المصدر الأساسي للدهون، بكمية تتراوح بين 80 إلى 100 ملليلتر يوميًا. زيت الزيتون غني بالدهون الأحادية غير المشبعة ومضادات الأكسدة القوية.
  • النظام النباتي: يجب أن يكون أساس الأكل معتمدًا على النباتات: النشويات الكاملة (الشعير، القمح الكامل)، البقوليات (عدس، حمص، فاصوليا)، جميع أنواع الخضروات، الفواكه الطازجة، وحشائش الأرض (مثل البقلة أو الرجلة، والحميضة). هذه الأطعمة غنية بـالألياف الغذائية التي تخفض الكوليسترول ومضادات الأكسدة التي تحارب الالتهابات.
  • الفواكه الجافة: يوصى بالإكثار من التمر، التين، الزبيب، الجوز، واللوز. فهي مصدر طاقة نظيفة، والجوز واللوز غنيان بالأوميغا 3، بينما التمر والتين غنيان بالألياف والمعادن.

الثلاثي الخارق لصحة الشرايين

يركز الدكتور الفايد على ثلاثة مكونات يعتبرها حجر الزاوية في علاج أمراض القلب والشرايين:

1. بذور الكتان (Linseeds): يعتبرها “إجبارية” ويومية لمرضى القلب، بمقدار ملعقتين كبيرتين في اليوم. بذور الكتان، المعروفة في المغرب بـ”زريعة الكتان”، هي أغنى مصدر نباتي لمركبات الليغنان (Lignans)، وهي فيتويستروغينات (هرمونات نباتية) قوية ذات خصائص مضادة للأكسدة، بالإضافة إلى حمض الألفا-لينولينيك (ALA)، وهو نوع من الأوميغا 3. - دليل علمي: مراجعة علمية نُشرت في The Canadian Journal of Cardiology أكدت أن استهلاك بذور الكتان يساهم في خفض ضغط الدم المرتفع بشكل ملحوظ، ويحسن مستويات الكوليسترول، ويقلل من تصلب الشرايين.

2. الخروب (Carob): يحتوي الخروب على الفيتوستيرول (Phytosterols)، وهي مركبات نباتية تشبه الكوليسترول في تركيبها، وتعمل على منع امتصاص الكوليسترول الضار في الأمعاء، مما يساهم في خفض مستوياته في الدم. - دليل علمي: أظهرت دراسة بشرية (human trial) نُشرت في مجلة European Journal of Nutrition أن تناول ألياف الخروب غير القابلة للذوبان أدى إلى انخفاض كبير في الكوليسترول الكلي والكوليسترول الضار (LDL) لدى المشاركين.

3. أوراق الزيتون (Olive Leaves): يعتبرها الدكتور الفايد أقوى عشبة لمرضى القلب، ويدعو إلى استبدال الشاي الصيني والهندي بها. تحتوي أوراق الزيتون على مركب الأولوروبين (Oleuropein) وحمض الإلينوليك (Elenolic Acid). هذه المركبات لها خصائص قوية في توسيع الشرايين، خفض ضغط الدم، ومحاربة الفيروسات. - دليل علمي: في تجربة سريرية عشوائية محكومة (randomized controlled trial) أُجريت عام 2011 وقارنت بين مستخلص أوراق الزيتون ودواء الكابتوبريل (دواء شهير لخفض الضغط)، وجد الباحثون أن مستخلص أوراق الزيتون كان فعالًا في خفض ضغط الدم المرتفع بنفس درجة فعالية الدواء، مع فائدة إضافية تتمثل في خفض مستويات الدهون الثلاثية.

وصفات غذائية تطبيقية

لدمج هذه المكونات في الحياة اليومية، يقترح الخبير الوصفات التالية:

  • شوربة الخضار المسائية: تحتوي على الثوم، زيت الزيتون، بذور الكتان، وحبوب الكزبرة.
  • عصير الخضار الطازجة: يُصنع من خضروات متنوعة مع إضافة ملعقتين من خل التفاح الطبيعي أو عصير الليمون الحامض، حيث يساعد الخل في تحسين الدورة الدموية.
  • خليط علاجي: يوصي بتحضير خليط من مقادير متساوية من مسحوق الخروب ومسحوق بذور الكتان. يتم تناول ملعقة كبيرة من هذا الخليط يوميًا. يمكن لمرضى السكري إضافة الحلبه والكزبرة إلى هذا الخليط.

علاجات تكميلية ضرورية

1. الحجامة (Cupping Therapy): يشدد الدكتور الفايد على أهميتها القصوى لمن يعانون من الشلل النصفي أو الكلي والغرغرينا. يوصي بثلاث جلسات حجامة (كأسان في منطقة الكاهل بين الكتفين) بفاصل أسبوعين بين كل جلسة، مؤكدًا أنها قد تساعد في استعادة الحركة والدورة الدموية. - رأي علمي: تشير بعض الدراسات والمراجعات المنهجية الحديثة إلى أن الحجامة قد تكون علاجًا مساعدًا مفيدًا في إعادة التأهيل بعد السكتة الدماغية وتحسين الدورة الدموية الطرفية، ولكن لا تزال هناك حاجة إلى دراسات واسعة النطاق لتأكيد فعاليتها بشكل قاطع.

2. الرياضة والحركة: يعتبرها الخبير “إجبارية” ولا نقاش فيها، خاصة لمرضى ارتفاع وانخفاض ضغط الدم. الحركة المنتظمة تساعد على تقوية القلب وتحسين مرونة الشرايين.

3. المكملات الغذائية: لمن لا يستهلكون السمك يوميًا، يوصى بكبسولات الأوميغا 3. كما يوصي بـالعكبر (Propolis) لخصائصه المضادة للالتهابات والمقوية للمناعة، خاصة لمن يعانون من الشلل أو انخفاض الضغط.

في الختام، يقدم الدكتور الفايد رؤية متكاملة تعيد الاعتبار للغذاء كوسيلة علاجية أساسية. إنه ليس مجرد نظام غذائي، بل هو دعوة لتغيير نمط الحياة بأكمله، والابتعاد عن مسببات المرض، وتبني نهج طبيعي وشامل يعتمد على ما خلقه الله في الطبيعة من كنوز غذائية وعلاجية.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء الخبير والدراسات المتاحة للأغراض التثقيفية فقط، ولا يُعتبر استشارة طبية. يجب دائمًا استشارة الطبيب قبل إجراء أي تغييرات جوهرية في نظامك الغذائي أو العلاجي.