هل يمكن لمركب واحد أن يكون له تأثير علاجي واسع يمتد من الكبد الدهني وأمراض المناعة الذاتية إلى الاضطرابات العصبية التنكسية مثل الزهايمر وباركنسون؟ قد يبدو هذا الادعاء مبالغًا فيه، لكنه يمثل محور الاهتمام المتزايد حول مكمل غذائي فريد يُعرف باسم “تودكا” (TUDCA). في حلقة حديثة على قناتها، سلطت خبيرة التغذية ندى حرفوش الضوء على هذا المركب، الذي وصفته بأنه يستحق مكانة خاصة ومرموقة نظرًا لفوائده الصحية المتعددة.

في هذا التقرير، نتعمق في عالم “تودكا”، ونستكشف تاريخه المثير للاهتمام في الطب الصيني التقليدي، ونحلل الادعاءات الصحية المحيطة به، ونبحث عن الأدلة العلمية التي تدعم أو تدحض فعاليته في علاج مجموعة واسعة من الحالات الصحية المعاصرة.

ما هو “تودكا” (TUDCA)؟ من دببة الصين إلى المختبرات الحديثة

“تودكا” هو اختصار للحمض الأميني “Tauroursodeoxycholic acid”، وهو حمض صفراوي (Bile Acid) يتكون بشكل طبيعي بكميات صغيرة في الجسم. تاريخيًا، كما ذكرت السيدة حرفوش، كان هذا المركب يُستخرج من العصارة الصفراوية لدببة الصين (تحديدًا الدب الأسود الآسيوي)، حيث يوجد بتركيزات عالية. لهذا السبب، كان نادرًا وباهظ الثمن، ومحاطًا بمكانة أسطورية في الطب الصيني التقليدي (TCM)، حيث استُخدم لقرون لعلاج أمراض الكبد والحمى ومشاكل الرؤية.

اليوم، ولأسباب أخلاقية وبيئية، لم يعد يتم الحصول عليه من الدببة. بدلاً من ذلك، يتم تصنيعه في المختبرات، مما يجعله متاحًا على نطاق أوسع وأقل تكلفة. وعلى الرغم من كونه اصطناعيًا، إلا أن تركيبته الكيميائية مطابقة للنوع الطبيعي، وقد أظهرت الدراسات أن له نفس التأثيرات البيولوجية.

لفهم دور “تودكا”، يجب أولاً فهم أهمية العصارة الصفراوية. ينتج الكبد هذه العصارة، التي يتم تخزينها وتركيزها في المرارة. وظيفتها الأساسية هي تكسير الدهون في الأمعاء الدقيقة، مما يسمح بامتصاصها وامتصاص الفيتامينات الذائبة في الدهون (A, D, E, K). أي نقص في إنتاج أو تدفق الصفراء يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من المشاكل الصحية، بدءًا من سوء الهضم والانتفاخ، ووصولًا إلى مشاكل أكثر خطورة مثل الكبد الدهني وحصوات المرارة. يتميز “تودكا” عن الأحماض الصفراوية الأخرى بكونه أكثر قابلية للذوبان في الماء، وهي خاصية تمنحه قدرات علاجية فريدة.

“تودكا” وصحة الكبد والمرارة: أكثر من مجرد دعم

تُعد صحة الكبد والمرارة المجال الأكثر دراسة لتأثيرات “تودكا”.

1. الكبد الدهني وتليف الكبد: مرض الكبد الدهني غير الكحولي (NAFLD) هو حالة تتراكم فيها الدهون الزائدة في خلايا الكبد، مما قد يؤدي مع مرور الوقت إلى التهاب (NASH)، تليف (Fibrosis)، وفي النهاية تشمع الكبد (Cirrhosis). أشارت السيدة حرفوش إلى أن “تودكا” يمكن أن يساعد في التخلص من دهون الكبد وحمايته من التليف.

الأدلة العلمية: تدعم العديد من الدراسات هذا الادعاء.

  • وجدت مراجعة منهجية وتحليل تلوي (Meta-analysis) نُشرت في مجلة Gastroenterology Research and Practice عام 2018 أن العلاج بحمض أورسوديوكسي كوليك (UDCA)، وهو المركب الأم لـ “تودكا”، أدى إلى تحسن كبير في وظائف الكبد لدى مرضى الكبد الدهني.
  • دراسة أخرى على البشر نُشرت في مجلة Hepatology عام 2011، ركزت على “تودكا” تحديدًا، ووجدت أنه يقلل بشكل كبير من مقاومة الأنسولين في الكبد والعضلات، وهو عامل رئيسي في تطور مرض الكبد الدهني.
  • يعمل “تودكا” كـ “مرافق كيميائي” (Chemical Chaperone)، مما يساعد على تخفيف “إجهاد الشبكة الإندوبلازمية” (ER Stress) في خلايا الكبد. هذا الإجهاد هو آلية رئيسية تساهم في موت الخلايا والالتهاب والتليف في أمراض الكبد المختلفة.

2. حصوات المرارة: تتكون حصوات المرارة غالبًا من الكوليسترول الذي تبلور داخل المرارة. ذكرت السيدة حرفوش أن “تودكا” يمكن أن يساعد في تفتيت هذه الحصوات والوقاية منها.

الأدلة العلمية: هذا الادعاء مدعوم بقوة. في الواقع، حمض UDCA (الذي يتحول “تودكا” إليه في الجسم) هو علاج معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لإذابة حصوات المرارة الكوليسترولية الصغيرة لدى المرضى الذين لا يستطيعون الخضوع للجراحة.

  • يعمل “تودكا” عن طريق تقليل إفراز الكوليسترول من الكبد إلى الصفراء وزيادة قابلية ذوبان الكوليسترول في الصفراء، مما يجعلها أقل “تشبعًا” وأقل عرضة لتكوين الحصوات.
  • دراسة نُشرت في The New England Journal of Medicine أظهرت فعالية UDCA في إذابة حصوات المرارة لدى نسبة كبيرة من المرضى على مدى أشهر من العلاج.

كما نبهت السيدة حرفوش إلى نقطة مهمة: الأشخاص الذين يفقدون الوزن بسرعة (خاصة عبر أنظمة مثل الكيتو) معرضون لخطر متزايد لتكوين حصوات المرارة. يحدث هذا لأن حرق الدهون السريع يطلق كميات كبيرة من الكوليسترول، والتي يجب على الكبد معالجتها. استخدام “تودكا” خلال هذه الفترة يمكن أن يكون استراتيجية وقائية فعالة.

التأثير على الجهاز الهضمي والمناعة الذاتية

العلاقة بين صحة الأمعاء والمناعة أصبحت حقيقة علمية راسخة. غالبًا ما تبدأ أمراض المناعة الذاتية من خلل في الجهاز الهضمي، وتحديدًا من حالة تُعرف بـ “تسرب الأمعاء” (Leaky Gut).

1. تسرب الأمعاء وصحة الغشاء المخاطي: أوضحت السيدة حرفوش أن “تودكا” يحسن صحة الغشاء المخاطي المبطن للأمعاء. هذا الغشاء هو حاجز حيوي يمنع السموم والبكتيريا من التسرب إلى مجرى الدم.

الأدلة العلمية:

  • أظهرت دراسات حيوانية أن “تودكا” يعزز سلامة الحاجز المعوي ويقلل من الالتهاب. دراسة نُشرت في American Journal of Physiology-Gastrointestinal and Liver Physiology وجدت أن “تودكا” يحمي الخلايا الظهارية المعوية من الموت المبرمج (Apoptosis) الناجم عن الالتهاب.
  • من خلال تنظيم الاستجابات المناعية في الأمعاء ودعم نمو الميكروبيوم الصحي، يمكن أن يكون “تودكا” مفيدًا جدًا لأمراض الأمعاء الالتهابية (IBD) مثل مرض كرونز (Crohn’s Disease) والتهاب القولون التقرحي (Ulcerative Colitis).

2. أمراض المناعة الذاتية: بناءً على دوره في إصلاح تسرب الأمعاء وتأثيره القوي المضاد للالتهابات، يُعتقد أن “تودكا” مفيد في إدارة أمراض المناعة الذاتية المختلفة. ذكرت السيدة حرفوش تجربتها الشخصية معه في التعافي من التهاب المفاصل الروماتويدي (Rheumatoid Arthritis)، بالإضافة إلى فائدته المحتملة في حالات مثل الصدفية (Psoriasis)، التصلب المتعدد (Multiple Sclerosis)، ومشاكل الغدة الدرقية المناعية (مثل هاشيموتو).

الأدلة العلمية: الأبحاث في هذا المجال لا تزال في مراحلها الأولى ولكنها واعدة.

  • دراسة في المختبر (In vitro) نُشرت في Journal of Immunology أظهرت أن “تودكا” يمكن أن يثبط الاستجابة الالتهابية للخلايا المناعية المأخوذة من مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي.
  • يتفق العديد من خبراء الطب الوظيفي، مثل الدكتور مارك هيمن (Dr. Mark Hyman)، على أن معالجة صحة الأمعاء هي حجر الزاوية في إدارة أمراض المناعة الذاتية، والمكملات التي تدعم الحاجز المعوي مثل “تودكا” تلعب دورًا مهمًا في هذا النهج.

“تودكا” كحارس للخلايا العصبية وصحة الدماغ

ربما تكون الفوائد الأكثر إثارة للدهشة لـ “تودكا” هي تلك المتعلقة بصحة الدماغ والحماية من الأمراض العصبية التنكسية.

الأدلة العلمية:

  • مرض الزهايمر: يتميز هذا المرض بتراكم لويحات بروتين “أميلويد بيتا” في الدماغ. أظهرت دراسات حيوانية متعددة، مثل دراسة نُشرت في مجلة Molecular Neurobiology، أن “تودكا” يقلل من تراكم هذه اللويحات ويحسن الوظيفة الإدراكية في نماذج الفئران المصابة بالزهايمر.
  • مرض باركنسون: يرتبط هذا المرض بفقدان الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين. وجدت دراسة في مجلة Neurobiology of Disease أن “تودكا” يحمي هذه الخلايا العصبية من الموت في النماذج الحيوانية للمرض.
  • التصلب الجانبي الضموري (ALS) والتصلب المتعدد (MS): يعمل “تودكا” على حماية الخلايا العصبية من التلف وتقليل الالتهاب في الجهاز العصبي المركزي، مما يجعله مرشحًا علاجيًا واعدًا لهذه الحالات.

الآلية الرئيسية وراء هذه التأثيرات الوقائية هي قدرة “تودكا” على العمل كمضاد لـ “إجهاد الشبكة الإندوبلازمية” (ER Stress) ومضاد للموت المبرمج للخلايا (Anti-apoptotic)، مما يحافظ على حياة الخلايا العصبية ويحسن وظيفتها.

صحة العين وتعزيز الامتصاص

أشارت السيدة حرفوش أيضًا إلى فائدة “تودكا” لصحة العين، خاصة في حالات اعتام عدسة العين (Cataracts) أو ما يعرف بـ “المياه البيضاء”. يحدث هذا الاعتام نتيجة للأكسدة وتلف البروتينات في عدسة العين.

الأدلة العلمية:

  • دراسة حيوانية نُشرت في Molecular Vision وجدت أن “تودكا” يمنع تطور اعتام عدسة العين في الفئران عن طريق تقليل الإجهاد التأكسدي وموت الخلايا في العدسة.
  • بالإضافة إلى ذلك، من خلال تحسين هضم الدهون، يعزز “تودكا” امتصاص فيتامين A، وهو فيتامين أساسي لصحة الشبكية والرؤية.

أخيرًا، نصحت السيدة حرفوش بتناول “تودكا” لتعزيز امتصاص المكملات الغذائية الأخرى، خاصة تلك التي تذوب في الدهون. هذه النصيحة منطقية تمامًا، حيث أن تحسين وظيفة الصفراء يعني تحسين البيئة الهضمية اللازمة لامتصاص العديد من العناصر الغذائية.

الجرعات وطريقة الاستخدام

وفقًا للسيدة حرفوش، تتراوح الجرعة اليومية من 250 إلى 1000 ملغ. ونصحت بالبدء بشكل تدريجي لتجنب الآثار الجانبية المحتملة مثل الإسهال:

  • البداية: كبسولة واحدة (250 ملغ) على معدة فارغة لمدة 3 أيام.
  • الزيادة: إضافة كبسولة ثانية بعد الوجبة الرئيسية.
  • لمن أجروا استئصال للمرارة: كبسولة على معدة فارغة، وكبسولة بعد كل وجبة.

خلاصة واستنتاجات

يبدو أن “تودكا” ليس مجرد مكمل غذائي عادي. الأدلة العلمية، التي تتراوح من الدراسات المخبرية والحيوانية إلى التجارب البشرية، تدعم بقوة العديد من الادعاءات التي قدمتها ندى حرفوش. دوره في دعم وظائف الكبد، وإذابة حصوات المرارة، وتقليل الالتهاب، وحماية الخلايا العصبية يجعله مركبًا متعدد الأوجه ذا إمكانات علاجية هائلة.

بينما لا يزال هناك حاجة لمزيد من الدراسات البشرية واسعة النطاق لتأكيد بعض هذه الفوائد، فإن “تودكا” يمثل مثالًا رائعًا لكيفية تقاطع الحكمة الطبية القديمة مع العلم الحديث لتقديم حلول واعدة لمشاكل صحية معقدة.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء الخبراء والدراسات المتاحة لأغراض تثقيفية فقط ولا يعتبر استشارة طبية. يجب دائمًا استشارة الطبيب أو مقدم الرعاية الصحية قبل البدء في أي مكمل غذائي جديد أو تغيير في نمط الحياة.