ماذا لو كان بإمكانك حماية نفسك من واحدة من أكثر المشاكل الصحية إيلاماً وشيوعاً عبر تغييرات بسيطة في نمط حياتك ومكونات من مطبخك؟ حصوات المرارة، تلك الرواسب الصلبة التي تتشكل في عضو صغير تحت الكبد، أصبحت منتشرة بشكل لافت، خاصة بين النساء. لكن هل هي حتمية؟ وهل الحل يكمن فقط في الجراحة؟

في مقطع فيديو حديث على يوتيوب، تناول الدكتور محمد عبد الجبار، المختص في الطب الوظيفي والعلاج الطبيعي، موضوع حصوات المرارة من منظور وقائي وعلاجي طبيعي، مقدماً استراتيجية متكاملة لتجنب هذه المشكلة المؤلمة. يركز هذا التقرير على تحليل النقاط التي أثارها، مع تدعيمها بالأدلة العلمية المتاحة وآراء خبراء آخرين، لتقديم رؤية شاملة ومحايدة.

لماذا تتكون حصوات المرارة؟ الأسباب التي قد لا تعرفها

قبل استعراض طرق الوقاية، من الضروري فهم الأسباب الجذرية لتكون حصوات المرارة (Gallstones). المرارة هي كيس صغير يخزن “العصارة الصفراوية” (Bile)، وهو سائل ينتجه الكبد للمساعدة في هضم الدهون. تتكون الحصوات عندما يصبح هذا السائل غير متوازن، مما يؤدي إلى تبلور مكوناته. وأشهر أنواعها هي حصوات الكوليسترول.

1. الكوليسترول والنظام الغذائي الحديث

أشار الدكتور عبد الجبار إلى أن السبب الرئيسي هو زيادة الكوليسترول في الطعام. وانتقد بشدة الأنظمة الغذائية التي تروج للاستهلاك غير المحدود للدهون الحيوانية، مثل نظام “الكارنيفور” و”الكيتو”، معتبراً أنها قد تساهم في تفاقم المشكلة.

الأدلة العلمية: هذا الرأي مدعوم بقوة في الأوساط الطبية. يتكون حوالي 80% من حصوات المرارة من الكوليسترول الزائد الذي يتبلور في العصارة الصفراوية.

  • دراسة مراجعة (Review): نُشرت في مجلة Gastroenterology، أوضحت أن الأنظمة الغذائية الغنية بالكوليسترول والدهون المشبعة والسكريات المكررة، مع افتقارها للألياف، تزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بحصوات المرارة.
  • دراسة بشرية (Human Study): وجدت دراسة منشورة في American Journal of Clinical Nutrition أن النساء اللواتي يستهلكن كميات كبيرة من الدهون الحيوانية والكوليسترول كن أكثر عرضة للإصابة بحصوات المرارة التي تتطلب جراحة.
  • رأي خبراء آخرين: تتفق مؤسسات طبية عالمية مثل “مايو كلينك” و”المعهد الوطني للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكلى” (NIDDK) على أن الأنظمة الغذائية عالية الدهون ومنخفضة الألياف هي عامل خطر رئيسي. يوصي الدكتور عبد الجبار بأن يكون 80% من النظام الغذائي نباتياً وغنياً بالألياف، و10-20% فقط من المنتجات الحيوانية، وهو ما يتماشى مع مبادئ حمية البحر الأبيض المتوسط التي أثبتت فوائدها الصحية الواسعة.

2. زيادة الوزن، قلة الحركة، والهرمونات

ذكر الدكتور أن زيادة الوزن وقلة الحركة يؤديان إلى خلل هرموني، وتحديداً ارتفاع هرمون الإستروجين، مما يفسر سبب شيوع حصوات المرارة لدى النساء.

الأدلة العلمية: العلاقة بين هذه العوامل وحصوات المرارة موثقة جيداً.

  • هرمون الإستروجين: يزيد هذا الهرمون من تركيز الكوليسترول في العصارة الصفراوية ويقلل من حركة المرارة، مما يخلق بيئة مثالية لتكون الحصوات. هذا يفسر سبب زيادة الخطر أثناء الحمل، أو عند استخدام العلاج الهرموني البديل، أو حبوب منع الحمل.
  • السمنة: تعتبر السمنة عامل خطر قوي. وجدت دراسة تحليل تلوي (Meta-analysis) ضخمة أن الأفراد الذين يعانون من السمنة لديهم خطر أعلى بنسبة 2 إلى 3 مرات لتكوين حصوات المرارة مقارنة بأصحاب الوزن الصحي.
  • قلة الحركة: النشاط البدني المنتظم يحسن من حركة المرارة ويساعد في الحفاظ على وزن صحي، مما يقلل من المخاطر.

3. نقص الألياف الغذائية

أكد الدكتور عبد الجبار مراراً على أهمية الألياف، موضحاً أنها “تتعلق بالكوليسترول الزائد وتمنعه من التصلب”.

الأدلة العلمية: الألياف القابلة للذوبان، الموجودة في الشوفان والبقوليات والفواكه، تشكل مادة شبيهة بالهلام في الجهاز الهضمي ترتبط بالأحماض الصفراوية الغنية بالكوليسترول وتساعد على إخراجها من الجسم.

  • دراسة بشرية (Human Study): في دراسة نُشرت في The Lancet، وجد الباحثون أن الرجال الذين تناولوا كميات أكبر من الألياف الغذائية كان لديهم خطر أقل بكثير للإصابة بحصوات المرارة.
  • مراجعة علمية (Scientific Review): خلصت مراجعة في مجلة World Journal of Gastroenterology إلى أن الأنظمة الغذائية الغنية بالألياف والخضروات والفواكه لها تأثير وقائي واضح ضد تكون حصوات المرارة.

استراتيجية وقائية متكاملة: كيف تحمي نفسك؟

يقترح الدكتور عبد الجبار منظومة حياتية بسيطة وفعالة للوقاية، تعتمد على مكونات طبيعية ومتاحة للجميع.

1. الدهون الصحية مقابل الدهون المشبعة

نصح بالتقليل من الدهون المشبعة وشحوم الحيوانات، واستبدالها بزيوت صحية مثل زيت الزيتون، زيت السمسم، والزيوت الموجودة في المكسرات.

الأدلة العلمية: زيت الزيتون غني بالدهون الأحادية غير المشبعة التي لها تأثيرات إيجابية على صحة القلب والمرارة.

  • دراسة بشرية (Human Study): أظهرت دراسة إيطالية أن الاستهلاك المنتظم لزيت الزيتون قد يقلل من خطر الإصابة بحصوات المرارة. يُعتقد أن هذا التأثير يعود لقدرته على تحفيز إفراغ المرارة بشكل معتدل ومنتظم.
  • خبراء آخرون: يوصي خبراء مثل الدكتور أندرو ويل، وهو شخصية بارزة في الطب التكاملي، باتباع نظام غذائي مضاد للالتهابات غني بالدهون الصحية مثل زيت الزيتون والأوميغا-3 للوقاية من أمراض المرارة.

2. الكركم: أكثر من مجرد بهار

أوصى الدكتور بتناول نصف إلى ملعقة صغيرة من مسحوق الكركم الكامل (وليس مستخلص الكركمين) يومياً مع الطعام، موضحاً أنه يجعل المرارة تتقلص وتفرغ محتوياتها، مما يمنع ركود العصارة الصفراوية.

الأدلة العلمية: الكركمين، المركب النشط في الكركم، له خصائص مضادة للالتهابات ومحفزة لإفراز الصفراء.

  • دراسة بشرية صغيرة (Small Human Study): وجدت دراسة أن تناول جرعة صغيرة من الكركمين أدى إلى انكماش حجم المرارة بنسبة تصل إلى 29% خلال ساعة، مما يشير إلى أنه يحفز إفراغها.
  • الطب التقليدي: في الطب الهندي القديم (الأيورفيدا)، يُستخدم الكركم (المعروف باسم “Haridra”) منذ آلاف السنين لدعم صحة الكبد والجهاز الهضمي وتنقية الدم.
  • تحذير هام: يجب الحذر عند استخدام الكركم بجرعات عالية من قبل الأشخاص الذين لديهم حصوات مرارة موجودة بالفعل. تحفيز المرارة على الانقباض بقوة قد يؤدي إلى تحريك حصوة وسد القناة الصفراوية، مما يسبب ألماً شديداً وحالة طبية طارئة. لذلك، استشارة الطبيب ضرورية.

3. مذيبات طبيعية أم علاجات شعبية؟

تحدث الدكتور عن أغذية يعتقد أنها تساعد على إذابة الحصوات الموجودة ومنع تكونها.

  • الليمون وخل التفاح: ذكر أن تناول الليمون وإضافة ملعقتين من خل التفاح إلى الطعام (وليس شربه مع الماء على معدة فارغة) يمكن أن يساعد في إذابة الحصوات. واستشهد بالحديث النبوي “نعم الإدام الخل” ليؤكد على أن الخل طعام وليس شراباً.
    • تقييم الأدلة: هذا الادعاء شائع في الطب الشعبي. نظرياً، يمكن للأحماض مثل حمض الستريك في الليمون وحمض الأسيتيك في الخل أن تؤثر على تركيب الكوليسترول. ومع ذلك، عند البحث عن أدلة علمية قوية، نجد أن الأبحاث السريرية على البشر التي تثبت قدرة الليمون أو خل التفاح على إذابة حصوات المرارة الموجودة تكاد تكون منعدمة. معظم الأدلة قصصية أو تأتي من دراسات in vitro (مختبرية) لا يمكن تطبيقها مباشرة على جسم الإنسان. استخدامهما كجزء من نظام غذائي صحي مع السلطات أمر جيد، ولكن لا ينبغي اعتبارهما علاجاً مثبتاً لإذابة الحصوات.
  • الثوم والبصل: وصف الثوم بأنه من أفضل مذيبات الحصوات الطبيعية.
    • تقييم الأدلة: يحتوي الثوم على مركبات كبريتية مثل الأليسين، والتي أظهرت بعض الدراسات قدرتها على خفض مستويات الكوليسترول في الدم.
    • دراسة حيوانية (Animal Study): وجدت دراسة أجريت على الفئران أن مكملات الثوم ساعدت في منع تكون حصوات الكوليسترول عن طريق التأثير على إنزيمات الكبد المسؤولة عن إنتاج الكوليسترول.
    • الخلاصة: بينما تشير الأبحاث الأولية إلى دور وقائي محتمل للثوم، لا توجد أدلة بشرية قوية كافية للقول بأنه “يذيب” الحصوات الموجودة. إدراجه في النظام الغذائي مفيد للصحة العامة، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه كعلاج وحيد.

تحذير هام للمصابين بحصوات المرارة

أكد الدكتور عبد الجبار على نقطة حاسمة: أي شخص يعاني بالفعل من حصوات المرارة يجب عليه استشارة طبيبه قبل تجربة أي طريقة تهدف إلى “تفتيت” أو “إذابة” الحصوات. والسبب هو أن تفتيت الحصوات الكبيرة إلى شظايا أصغر يمكن أن يؤدي إلى انحشار إحدى هذه الشظايا في القناة الصفراوية، مما يسبب حالة مؤلمة وخطيرة تُعرف بـ “التهاب الأقنية الصفراوية” (Cholangitis) أو “التهاب البنكرياس” (Pancreatitis)، والتي تتطلب تدخلاً طبياً عاجلاً.

خلاصة وتوصيات

يقدم الدكتور محمد عبد الجبار رؤية شاملة تركز على أن الوقاية من حصوات المرارة تبدأ من المطبخ ونمط الحياة. تتلخص الاستراتيجية في النقاط التالية:

  1. نظام غذائي متوازن: غني بالألياف من الخضروات والفواكه والبقوليات، مع تقليل الدهون المشبعة والكوليسترول والسكريات.
  2. دهون صحية: الاعتماد على زيت الزيتون والمكسرات كمصادر أساسية للدهون.
  3. الحفاظ على وزن صحي: من خلال النظام الغذائي والنشاط البدني المنتظم.
  4. إضافات طبيعية وقائية: استخدام الكركم والثوم والبصل والليمون وخل التفاح كجزء من النظام الغذائي اليومي لدورها المحتمل في دعم صحة المرارة.

هذه التوصيات لا تتعارض مع الطب التقليدي، بل تتوافق إلى حد كبير مع إرشادات المنظمات الصحية العالمية للوقاية من الأمراض المزمنة. إنها دعوة للعودة إلى الغذاء الحقيقي كأساس للصحة، وهو نهج يتبناه العديد من خبراء الصحة العالميين مثل الدكتور مارك هايمان والدكتور مايكل غريغر.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء الخبراء والدراسات المتاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب دائماً استشارة الطبيب قبل إجراء أي تغييرات جوهرية على نظامك الغذائي أو الصحي، خاصة في وجود حالة طبية مشخصة.