ماذا لو كان مفتاح السيطرة على السرطان ودعمه لا يكمن فقط في العلاجات الطبية المتقدمة، بل في قلب منزلك، وتحديداً في مطبخك؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي يطرحه الدكتور محمد فايد، الخبير في علوم الأغذية والتغذية، في أحد فيديوهاته التوجيهية. يقدم الدكتور فايد ما يسميه “بروتوكولاً” أو “توجيهات” للمصابين بالسرطان، وهو نظام حياة شامل يهدف إلى تعزيز مناعة الجسم وقدرته على المقاومة، مؤكداً أن التغيير الغذائي ليس مجرد خيار، بل هو أساس لا غنى عنه في رحلة العلاج. هذا المقال يغوص في تفاصيل هذا البروتوكول، معلقاً على نقاطه الرئيسية ومدعماً إياها بالأدلة العلمية المتاحة وآراء خبراء آخرين.
أساس البروتوكول: قوة طبخ المنزل والعودة إلى الطبيعة
في حديثه، يشدد الدكتور فايد على أن حجر الزاوية في بروتوكوله هو طبخ المنزل. هذا المبدأ البسيط يحمل في طياته فلسفة عميقة: السيطرة الكاملة على ما يدخل الجسم. يعني ذلك التوقف التام عن تناول الأطعمة المصنعة والمعلبة، والوجبات السريعة، وحتى الأكل في المطاعم التي غالبًا ما تستخدم مكونات منخفضة الجودة وزيوتاً صناعية مهدرجة.
الأدلة العلمية تدعم هذا التوجه: العلاقة بين الأطعمة فائقة المعالجة (Ultra-processed foods) وزيادة خطر الإصابة بالسرطان أصبحت موثقة جيداً.
- عند البحث عن أدلة، نجد دراسة فرنسية واسعة النطاق تُعرف بـ (NutriNet-Santé)، نُشرت في المجلة الطبية البريطانية (BMJ) عام 2018، وتابعت أكثر من 100,000 شخص. خلصت هذه الدراسة (وهي دراسة أترابية بشرية Human cohort study) إلى أن زيادة استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة بنسبة 10% ارتبطت بزيادة خطر الإصابة بالسرطان بشكل عام بنسبة 12%، وسرطان الثدي بنسبة 11%.
- في المقابل، يرتبط الطبخ المنزلي بأنظمة غذائية صحية مثل حمية البحر الأبيض المتوسط، التي تعتمد على زيت الزيتون البكر، الخضروات، والفواكه. وقد أظهرت العديد من الدراسات، ومنها مراجعة منهجية وتحليل تلوي (systematic review and meta-analysis) نُشر في مجلة Nutrients عام 2017، أن الالتزام العالي بهذه الحمية يقلل من خطر الوفاة بالسرطان والإصابة به.
يشير الدكتور فايد أيضاً إلى أهمية استخدام أواني الطبخ التقليدية مثل الطين والنحاس أو على الأقل الأواني الحديثة الآمنة مثل الفولاذ المقاوم للصدأ (Inox)، وتجنب المواد التي قد تتفاعل مع الطعام.
العامل الاجتماعي والدعم الأسري: معركة لا يمكن خوضها وحيداً
يتطرق الدكتور فايد إلى نقطة حساسة ومؤثرة للغاية: دور البيئة الاجتماعية والطبقية في نجاح البروتوكول. يلاحظ أن الطبقة المتوسطة هي الأكثر نجاحاً في تطبيقه، لامتلاكها الوعي والمعرفة والقدرة على الطبخ المنزلي. أما الطبقة الميسورة، ورغم قدرتها المادية على شراء أفضل المكونات والمكملات، إلا أنها تواجه صعوبة قصوى. والسبب، كما يوضح، هو أن المريض غالباً ما يعتمد على مساعدة منزلية قد لا تدرك الأهمية العلاجية للنظام الغذائي، بالإضافة إلى صعوبة التخلي عن نمط حياة قائم على الأطعمة الغنية واللحوم والحلويات، وهو النمط الذي قد يكون سبباً رئيسياً في ظهور المرض.
الأمر الأكثر إيلاماً الذي يصوره هو غياب الدعم من أقرب الناس. يتحدث بحرقة عن حالات يكون فيها المريض (زوجاً أو زوجة) مصاباً بالسرطان، بينما الشريك الآخر “ليس في هذا العالم”، أي أنه لا يدرك خطورة الموقف ويستمر في الطبخ بالطرق التقليدية غير الصحية، معتقداً أن العلاج الكيميائي والأدوية كافية. هذه النقطة تحول البروتوكول من مجرد نظام غذائي إلى قضية وعي ودعم نفسي وعائلي. ويذهب إلى حد اقتراح أن يتدخل أفراد العائلة، كالأخ أو الأخت، ويأخذوا المريض إلى منزلهم لرعايته بشكل صحيح إذا كان شريكه لا يقدم الدعم اللازم.
هذا الجانب النفسي والاجتماعي للعلاج ليس مجرد كلام عاطفي، فالعديد من الدراسات النفسية تؤكد أن الدعم الاجتماعي القوي يحسن من جودة حياة مرضى السرطان وقد يؤثر إيجاباً على استجابتهم للعلاج.
أركان النظام الغذائي: ماذا نأكل وماذا نتجنب؟
يقدم البروتوكول قائمة واضحة للمسموح والممنوع: الممنوعات القاطعة:
- اللحوم بجميع أنواعها: يشدد على ضرورة الامتناع عنها تماماً. منظمة الصحة العالمية (WHO) عبر وكالتها الدولية لأبحاث السرطان (IARC) صنفت اللحوم المصنعة على أنها “مسرطنة للإنسان” (المجموعة 1) واللحوم الحمراء على أنها “محتملة التسبب بالسرطان” (المجموعة 2A).
- السكر الأبيض والدقيق الأبيض: يُعرف أن الخلايا السرطانية شرهة للجلوكوز (وهو ما يعرف بتأثير واربورغ - Warburg effect). الحد من السكريات البسيطة والكربوهيدرات المكررة هو استراتيجية غذائية يوصي بها العديد من خبراء التغذية في مجال الأورام.
- الزيوت الصناعية والخميرة الصناعية.
الأغذية الأساسية (المسموحة والموصى بها):
- الأعشاب التي تُشرب (شاي الأعشاب):
يذكر لائحة طويلة منها الشيبة (ويوضح أنها Artemisia absinthium وليست الشيح)، الشاي الأخضر، إكليل الجبل (الأزير)، المردقوش، الزعتر، الزعفران، الزنجبيل، القرفة، والخولنجان.
- دليل علمي: هذه الأعشاب غنية بالمركبات النشطة بيولوجياً. على سبيل المثال، الشاي الأخضر يحتوي على (EGCG)، وهو بوليفينول أظهرت دراسات (in vitro) و(animal studies) قدرته على تثبيط نمو الخلايا السرطانية. إكليل الجبل يحتوي على حمض الكارنوسيك الذي يمتلك خصائص مضادة للأكسدة والالتهابات.
- التوابل (مسكنات الألم الطبيعية):
يصفها بأنها “مضادات التهاب” طبيعية ويحث على عدم الاستخفاف بها. يخص بالذكر الفلفل الحار الذي يحتوي على الكابسيسين (Capsaicin).
- دليل علمي: عند البحث، نجد أن الكابسيسين تمت دراسته على نطاق واسع. مراجعة علمية (review) نُشرت في Molecules عام 2016 استعرضت الأبحاث التي أظهرت أن الكابسيسين يمكن أن يحفز الموت المبرمج للخلايا السرطانية (apoptosis) في أنواع مختلفة من السرطان في الدراسات المخبرية.
- البذور (لضبط الهرمونات):
يؤكد على أهمية بذور الكتان، السمسم (الزنجلان)، الحبة السوداء (السانوج)، الحلبة، وحب الرشاد. ويقول إنها تضبط النظام الهرموني في الجسم، وهو مفتاح التحكم في السرطان.
- دليل علمي: بذور الكتان هي أغنى مصدر لمركبات الليغنان (lignans)، وهي فيتوإستروجينات (phytoestrogens) أظهرت قدرة على تقليل خطر الإصابات بالسرطانات المعتمدة على الهرمونات مثل سرطان الثدي. مراجعة منهجية وتحليل تلوي نُشر في Integrative Cancer Therapies دعمت دور بذور الكتان في تقليل وفيات سرطان الثدي. أما الحبة السوداء، فيحتوي زيتها على مركب الثيموكينون (thymoquinone)، الذي أظهر خصائص واعدة مضادة للسرطان في عدد هائل من الدراسات قبل السريرية (pre-clinical studies).
هذا التركيز على الغذاء كدواء يجد أصداء قوية في أنظمة الطب التقليدي الأخرى مثل الأيورفيدا (Ayurveda) في الهند والطب الصيني التقليدي (TCM)، حيث تُستخدم التوابل والأعشاب المذكورة منذ آلاف السنين لعلاج الأمراض الالتهابية وتعزيز توازن الجسم.
التعزيز بالمكملات الغذائية: سلاح إضافي في المعركة
لتقوية النظام الغذائي، يوصي الدكتور فايد بأربعة مكملات أساسية لا يناقش فعاليتها:
- العكبر (Propolis): يدافع عنه بحماس شديد، منتقداً الأطباء الذين يمنعون المرضى من تناوله. العكبر هو مادة صمغية ينتجها النحل، وهو معروف بخصائصه المضادة للميكروبات والالتهابات والأكسدة.
- دليل علمي: هناك اهتمام علمي متزايد بالعكبر. مراجعة علمية شاملة نُشرت في Journal of Dietary Supplements عام 2019 خلصت إلى أن العكبر ومركباته، مثل (CAPE)، أظهرت تأثيرات مضادة للسرطان في الدراسات المخبرية والحيوانية عبر آليات متعددة، بما في ذلك منع تكاثر الخلايا وتحفيز موتها. يتفق معه خبراء في الطب التكاملي مثل الدكتور جوش آكس (Dr. Josh Axe) الذي يعتبر العكبر من أقوى المواد الطبيعية لتعزيز المناعة.
- غذاء ملكات النحل (Royal Jelly).
- حمض الأوميغا-3 (Omega-3).
- الجينسنغ (Ginseng) والجينكو بيلوبا (Ginkgo Biloba).
تحذير من الضوضاء المعلوماتية والمضللين
في ختام حديثه، يوجه الدكتور فايد تحذيراً قوياً من خطرين:
- المتاجرون باليأس: ينتقد بشدة أولئك الذين يبيعون “خلطات” باهظة الثمن للمرضى، مستغلين يأسهم وحاجتهم للعلاج.
- النصائح العشوائية المتضاربة: يحذر المرضى من الاستماع إلى النصائح غير الموثوقة التي قد تدفعهم إلى التوقف عن تناول مكونات مهمة في البروتوكول (مثل من يقول أن بذور الكتان خطيرة على الغدة الدرقية). ويؤكد أن من يتبعون بروتوكوله يجب أن يلتزموا به دون تردد أو تشويش من مصادر غير مطلعة.
خلاصة وتوجيهات
يمثل بروتوكول الدكتور فايد دعوة للعودة إلى نمط حياة طبيعي ومتكامل، حيث يصبح المريض شريكاً فاعلاً في رحلته العلاجية بدلاً من أن يكون مجرد متلقٍ سلبي للأدوية. إنه يركز على تمكين المريض من خلال المعرفة والسيطرة على غذائه، مع التأكيد على أن الدعم العائلي والصلابة النفسية هما عنصران لا يقلان أهمية عن الطعام نفسه. وبينما لا يمكن اعتبار هذا البروتوكول بديلاً عن العلاجات الطبية المعتمدة (الجراحة، العلاج الكيميائي، الإشعاعي)، إلا أنه يقدم نفسه كنهج داعم قوي يهدف إلى تحسين جودة حياة المريض، تقوية مناعته، وربما تعزيز فعالية العلاجات الأخرى.
تنويه: هذا المقال يلخص آراء الخبير والدراسات المتاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب على مرضى السرطان دائماً استشارة فريقهم الطبي قبل إجراء أي تغييرات جوهرية على نظامهم الغذائي أو العلاجي.