في محاضرة حديثة على يوتيوب، طرح الدكتور محمد فايد منظوراً مختلفاً للتعامل مع مرض السرطان، مؤكداً أن الرعب النفسي المصاحب للمرض قد يكون أخطر من المرض نفسه. فالحالة النفسية للمريض، حسب رأيه، تلعب دوراً محورياً في مسار العلاج، وهي فكرة تجد صدى في الأوساط الطبية الغربية حيث يُعتبر الدعم النفسي جزءاً لا يتجزأ من بروتوكول علاج مرضى السرطان. لكن الطرح الأكثر أهمية في حديثه كان التركيز على مراحل المرض التي غالباً ما يتم تجاهلها: مرحلة ما قبل السرطان، ومرحلة ما بعد الشفاء الظاهري.
المرحلة الصامتة: هل يمكن استباق السرطان؟
يطرح المتحدث مفهوماً بالغ الأهمية وهو “مرحلة ما قبل السرطان”، وهي فترة قد تمتد لسنوات وتظهر فيها مؤشرات يمكن أن تنبئ بالخطر قبل تشكل الورم. يرى أن العديد من الحالات التي تبدو بسيطة قد تكون في طريقها للتحول إلى ورم خبيث إذا لم تُعالج الأسباب الجذرية.
من بين الأمثلة التي ذكرها:
-
تضخم البروستاتا الحميد (BPH): يشير إلى أن هذا التضخم، رغم كونه حميداً في البداية، قد يتطور مع مرور الوقت ليصبح سرطان البروستاتا. عند البحث عن أدلة علمية، نجد أن العلاقة بين تضخم البروستاتا الحميد وسرطان البروستاتا معقدة. بعض الدراسات الوبائية لم تجد رابطاً سببياً مباشراً، لكن مراجعة منهجية (Systematic Review) نُشرت في مجلة “Prostate Cancer and Prostatic Diseases” عام 2017 أشارت إلى أن الالتهاب المزمن المصاحب لتضخم البروستاتا قد يكون عاملاً مساهماً في تطور السرطان.
-
اضطرابات الدم المزمنة: يوضح أن حالات مثل النقص الحاد والمزمن في الكريات الحمراء أو الصفائح الدموية قد لا تكون مجرد فقر دم عابر، بل مؤشراً أولياً قد يقود في النهاية إلى سرطان الدم (اللوكيميا). علمياً، يُعرف أن بعض متلازمات خلل التنسج النقوي (Myelodysplastic Syndromes)، وهي مجموعة من الاضطرابات التي تتسم بإنتاج خلايا دم غير طبيعية، يمكن أن تتطور إلى لوكيميا حادة.
-
التكيسات والأورام الحميدة: يذكر أن التكيسات في أعضاء مثل المبيض، الرحم، أو الثدي يمكن أن تتحول إلى سرطانية. هذا الأمر تدعمه الأدبيات الطبية؛ فبينما معظم التكيسات حميدة، إلا أن أنواعاً معينة منها، خاصة “التكيسات المعقدة”، تحمل نسبة خطر أعلى للتحول الخبيث وتتطلب مراقبة دقيقة.
-
المؤشرات الحيوية (Biomarkers): يلفت الانتباه إلى أن ارتفاع بعض الإنزيمات في الدم مثل الليباز (Lipase)، الأميلاز (Amylase)، الألدولاز (Aldolase)، والفوسفاتاز (Phosphatase)، بالإضافة إلى مؤشرات الأورام مثل PSA و CA 19-9، قد يكون علامة مبكرة على وجود نشاط سرطاني حتى قبل ظهور الورم بالأشعة. في الواقع، تستخدم هذه المؤشرات في الممارسة السريرية، ولكن عادةً للمراقبة وليس للتشخيص المبكر الأولي، لأن ارتفاعها قد يعود لأسباب أخرى غير سرطانية. ومع ذلك، يؤكد خبراء مثل الدكتور ويليام لي، في كتابه “Eat to Beat Disease”، على أهمية مراقبة المؤشرات الحيوية كجزء من نهج استباقي للصحة.
ما بعد العلاج: خطر العودة إلى نقطة الصفر
ينتقد المتحدث بشدة فكرة “الشفاء التام” التي تسمح للمريض بالعودة إلى نمط حياته السابق. يؤكد أنه إذا كانت مسببات السرطان تكمن في نمط العيش، فإن العودة إليه ستؤدي حتماً إلى عودة المرض، حتى لو بعد سنوات.
هذا الرأي يتوافق مع توجه متزايد في علم الأورام التكاملي (Integrative Oncology). دراسة تلو الأخرى، بما في ذلك تحليل تلوي (Meta-analysis) ضخم نُشر في “Journal of the National Cancer Institute”، أظهر أن التغييرات في نمط الحياة، مثل اتباع نظام غذائي نباتي غني بالألياف وممارسة الرياضة بانتظام، تقلل بشكل كبير من خطر عودة السرطان، خاصة سرطان الثدي والقولون. خبراء مثل الدكتور دين أورنيش أثبتوا في تجارب سريرية أن تغييرات نمط الحياة المكثفة يمكن أن توقف بل وتعكس مسار أمراض مزمنة، بما في ذلك المراحل المبكرة من سرطان البروستاتا.
العلاج الحقيقي: المطبخ وليس الصيدلية فقط
يتمحور جوهر رسالة الدكتور فايد حول أن العلاج الحقيقي يبدأ من المريض نفسه، وتحديداً من مطبخه. يرى أن الاعتماد الكلي على العلاج الكيميائي والإشعاعي والجراحة دون تغيير جذري في النظام الغذائي هو “مستحيل” من وجهة نظره المنطقية، لأن المريض يستمر في تزويد جسمه بنفس المواد المسرطنة التي سببت المرض في المقام الأول.
يقسم الله، حسب تعبيره، الأغذية إلى نوعين:
- أغذية الطاقة: مثل النشويات، البقوليات، والبروتينات الحيوانية، وهي ضرورية للسعرات الحرارية والحياة.
- أغذية العلاج: وهي ثلاث فئات لا تُستهلك من أجل الشبع بل لخصائصها الدوائية، وتحتوي على مركبات كيميائية نباتية (Phytochemicals) ومضادات أكسدة قوية (Antioxidants) مثل الفلافونويدات والبوليفينولات.
وهذه الفئات هي:
-
التوابل (Spices): يذكر الكركم كمثال. العلم الحديث يدعم هذا بقوة؛ فالكركمين (Curcumin)، وهو المكون النشط في الكركم، كان موضوع آلاف الدراسات. مراجعة شاملة نشرت في مجلة “Nutrients” عام 2019 خلصت إلى أن الكركمين يمتلك خصائص مضادة للسرطان عبر آليات متعددة، بما في ذلك تحفيز موت الخلايا المبرمج (Apoptosis) في الخلايا السرطانية وتثبيط نمو أوعية دموية جديدة تغذي الورم (Angiogenesis).
-
الأعشاب الطبية (Herbs): يختار الزعتر كمثال لقوته. يحتوي الزعتر على مركبي الثيمول (Thymol) والكارفاكرول (Carvacrol)، وهما معروفان بخصائصهما المضادة للميكروبات والمضادة للأكسدة. دراسة في المختبر (In-vitro) من جامعة سلجوق بتركيا أظهرت أن زيت الزعتر يمكن أن يحفز موت خلايا سرطان الثدي. هذا يتقاطع مع استخدام الأعشاب العطرية في الطب التقليدي الصيني والأيورفيدا لعلاج الأمراض الالتهابية.
-
البذور (Seeds): يركز على الحبة السوداء (Nigella Sativa)، الحلول، والكروية. الحبة السوداء، التي قال عنها النبي محمد (ص) “شفاء من كل داء إلا السام”، تحتوي على مركب الثيموكينون (Thymoquinone). تحليل تلوي نُشر في “Avicenna Journal of Phytomedicine” أكد أن الثيموكينون أظهر نتائج واعدة في الدراسات الحيوانية والمختبرية ضد أنواع متعددة من السرطان، بما في ذلك سرطان البنكرياس والقولون.
وصفات علاجية ونجم المكونات الطبيعية: العكبر
يقدم المتحدث نماذج لوصفات يمكن للمريض تحضيرها، ليس كعلاج سحري، بل كأمثلة على كيفية دمج هذه المكونات العلاجية:
- الخماسية: مزيج مطحون من الزعتر، الحلبة، الكروية، الحبة السوداء، والقرفة (مع التحذير من القرفة لمرضى الكلى).
- الرباعية: مزيج من حب الهيل، القرفة، القرنفل، وجوزة الطيب.
لكنه يخصص مكانة فريدة لـ العكبر (Propolis)، واصفاً إياه بأنه “المكون الوحيد المؤكد المضاد للسرطان في الطبيعة”. العكبر هو مادة صمغية ينتجها النحل، وقد استخدم في الطب الشعبي لآلاف السنين.
الأبحاث العلمية الحديثة بدأت تفك شفرة هذا المكون. يحتوي العكبر على مئات المركبات النشطة، أبرزها مركب (CAPE - Caffeic Acid Phenethyl Ester). مراجعة علمية منشورة في “Journal of Dietary Supplements” استعرضت العديد من الدراسات التي أظهرت أن العكبر ومكوناته يمكن أن يمنعوا نمو الأورام ويحفزوا موت الخلايا السرطانية في المختبر وعلى النماذج الحيوانية. ورغم أن التجارب السريرية على البشر لا تزال محدودة، إلا أن الأدلة المتراكمة تشير إلى إمكاناته الهائلة كعلاج مساعد.
ينتقد المتحدث بشدة الأطباء الذين يمنعون مرضاهم من تناول العكبر، معتبراً ذلك “حرماناً للمريض من علاج محتمل”. كما يحذر من المنتجات المغشوشة وباهظة الثمن، ناصحاً بشراء المنتجات الموثوقة أو على شكل كبسولات لضمان الجودة.
دعوة للتمكين والمسؤولية الشخصية
في ختام حديثه، يوجه الدكتور فايد نداءً حاراً للمرضى بأن يأخذوا زمام المبادرة في علاجهم. ينتقد ثقافة انتظار “الخلطة الجاهزة” من العشابين التجاريين الذين يصفهم بأنهم “يجمعون المال فقط”، ويحث الناس على التعلم والبحث والعودة إلى المطبخ لتحضير علاجهم بأيديهم.
ويضع خطوطاً عريضة لنظام غذائي صارم لمريض السرطان:
- الممنوعات: جميع اللحوم، السكر الأبيض، الزيوت الصناعية، وجميع الأطعمة المصنعة والمعلبة.
- المسموحات: النشويات الكاملة، البقوليات، الخضروات، الفواكه، الفواكه الجافة، والأسماك.
هذا النظام يتشابه إلى حد كبير مع الأنظمة الغذائية المضادة للالتهابات (Anti-Inflammatory Diets) والأنظمة النباتية الكاملة (Whole-Food, Plant-Based) التي يروج لها خبراء عالميون لدعم مرضى السرطان وتقليل خطر الإصابة به.
الرسالة النهائية واضحة: السرطان ليس مجرد ورم يجب استئصاله، بل هو مرض يعكس اختلالاً في نظام الجسم بأكمله. العلاج الفعال، من هذا المنظور، لا يمكن أن يكتمل دون تمكين المريض، وتصحيح نمط حياته، والاستفادة من قوة الشفاء الهائلة التي أودعها الله في الطبيعة.
تنويه: هذا المقال يلخص آراء خبراء ودراسات متاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية.