في عالم يواجه فيه الملايين تشخيص السرطان كل عام، غالبًا ما يُنظر إلى هذا المرض على أنه معركة تُخاض حصرًا في المستشفيات بالأسلحة الكيميائية والإشعاعية والجراحية. لكن ماذا لو كانت هناك جبهة أخرى للمعركة، جبهة تبدأ من المطبخ وتعتمد على قراراتنا اليومية؟ في مقطع فيديو حديث، طرح الدكتور محمد فايد، الخبير في علوم الأغذية والتغذية، منظورًا جذريًا يؤكد أن مفتاح مواجهة السرطان لا يكمن فقط في العلاجات الحديثة، بل في فهم أسبابه الجذرية المرتبطة بنمط الحياة وتغييرها.

يطرح الدكتور فايد فكرة أن “رعب السرطان أخطر من السرطان نفسه”، مشيرًا إلى أن الحالة النفسية للمريض تلعب دورًا محوريًا في رحلة العلاج. فعندما يتلقى الشخص خبر إصابته، قد يؤدي الارتباك والخوف إلى شل قدرته على التفكير المنطقي واتخاذ قرارات مستنيرة، مما يدمر حالته النفسية التي يعتمد عليها العلاج بشكل كبير. هذا الرأي يجد صدى في مجال علم الأورام النفسي (Psycho-oncology)، الذي يدرس تأثير العوامل النفسية على السرطان. عند البحث عن أدلة، نجد دراسة مراجعة منهجية (systematic review) منشورة في مجلة “Future Oncology” عام 2019 بعنوان “The impact of psychological stress on cancer incidence, progression, and therapy“، والتي خلصت إلى أن الإجهاد النفسي المزمن يمكن أن يؤثر سلبًا على تطور السرطان واستجابته للعلاج عبر مسارات بيولوجية متعددة، بما في ذلك إضعاف الجهاز المناعي. ويؤكد خبراء آخرون مثل الدكتور ديفيد شبيغل من جامعة ستانفورد على أهمية الدعم النفسي للمرضى، مشيرًا إلى أن تقليل التوتر يمكن أن يحسن نوعية الحياة وربما يؤثر على مسار المرض.

مرحلة ما قبل السرطان: إشارات تحذيرية يتجاهلها الكثيرون

من النقاط المهمة التي أثارها الدكتور فايد هي وجود “مرحلة ما قبل السرطان”، وهي فترة غالبًا ما يتم إغفالها. وضرب أمثلة بحالات مثل تضخم البروستاتا الحميد (Benign Prostatic Hyperplasia)، الذي قد يتطور مع مرور السنين إلى سرطان البروستاتا. الأدلة العلمية تدعم هذه الفكرة؛ ففي حين أن تضخم البروستاتا الحميد ليس سرطانًا، إلا أن دراسة تلوية (meta-analysis) نشرت في “The Prostate” عام 2017 وجدت ارتباطًا بين الالتهاب المزمن المصاحب لتضخم البروستاتا وزيادة خطر الإصابة بسرطان البروستاتا لاحقًا.

كما أشار إلى أن بعض الاختلالات في تحاليل الدم، مثل النقص الحاد والمزمن في الكريات الحمراء أو الصفائح الدموية، قد تكون مؤشرًا مبكرًا لسرطان الدم (اللوكيميا) بدلاً من مجرد تشخيصها كأنيميا. وأضاف أن ارتفاع بعض الإنزيمات في الجسم مثل الليباز (Lipase)، الأميليز (Amylase)، والألدولاز (Aldolase) قد يكون علامة بيوكيميائية مبكرة على وجود نشاط سرطاني حتى قبل ظهور الورم. علميًا، يُستخدم قياس بعض الإنزيمات كمؤشرات للسرطان، مثل الفوسفاتاز القلوي (Alkaline Phosphatase) لأمراض الكبد والعظام، ومستضد البروستاتا النوعي (PSA) لسرطان البروستاتا. البحث العلمي مستمر لإيجاد مؤشرات حيوية (biomarkers) أكثر دقة للكشف المبكر.

ما بعد العلاج: خطر العودة إلى الأسباب الأولى

يحذر الدكتور فايد بشدة من فكرة “الشفاء التام” التي قد تدفع المريض للعودة إلى نفس نمط الحياة الذي تسبب في ظهور السرطان في المقام الأول. ويؤكد أنه إذا عاد الشخص إلى نفس العادات الغذائية والبيئية، فإن السرطان سيعود حتمًا، حتى لو بعد سنوات. هذا المفهوم مدعوم بقوة في الأوساط العلمية. دراسة مراجعة شاملة (comprehensive review) نشرت في مجلة “Nature Reviews Clinical Oncology” عام 2021 بعنوان “The role of diet and lifestyle in cancer survivorship“، تؤكد أن اتباع نظام غذائي صحي، والحفاظ على وزن مثالي، وممارسة النشاط البدني بانتظام بعد العلاج يقلل بشكل كبير من خطر عودة السرطان ويحسن معدلات البقاء على قيد الحياة.

فلسفة العلاج: نمط العيش هو الأساس

ينتقد الدكتور فايد بشدة الاعتماد الكلي على العلاجات التقليدية مثل الجراحة والعلاج الكيميائي مع إهمال المسبب الرئيسي للمرض. يتساءل بمنطق بسيط: “كيف يمكن الشفاء من مرض بينما لا يزال المريض يتناول مسبباته يوميًا؟”. ويصنف المواد المسرطنة الرئيسية في النظام الغذائي الحديث بأنها اللحوم (بإفراط)، السكر الأبيض، الزيوت الصناعية المهدرجة، والأطعمة المصنعة والمعلبة.

هذه الرؤية تتوافق مع توصيات منظمات صحية عالمية. فالوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية تصنف اللحوم المصنعة على أنها “مسرطنة للإنسان (المجموعة 1)” واللحوم الحمراء على أنها “محتملة التسرطن للإنسان (المجموعة 2A)”. كما أن العديد من الدراسات الوبائية الضخمة ربطت بين استهلاك السكر المضاف والأطعمة فائقة المعالجة وزيادة خطر الإصابة بأنواع متعددة من السرطان. خبراء مثل الدكتور ويليام لي، مؤلف كتاب “Eat to Beat Disease”، يروجون لفكرة “علم الأوعية الغذائي” (Angiogenesis)، حيث يمكن لأطعمة معينة أن تمنع الأورام من تكوين أوعية دموية جديدة تحتاجها للنمو.

ترسانة العلاج من الطبيعة: التوابل، البذور، والأعشاب

يقسم الدكتور فايد المكونات التي خلقها الله إلى نوعين: مكونات للطاقة (مثل النشويات والبقوليات) ومكونات للعلاج. هذه الفئة العلاجية، التي لا تهدف لتوفير السعرات الحرارية بل المركبات النشطة بيولوجيًا، تتكون من ثلاث مجموعات رئيسية:

  1. التوابل (Spices): مثل الكركم، القرفة، القرنفل، والزنجبيل.
  2. البذور (Seeds): مثل الحبة السوداء، بذور الكتان، الحلبة، والكروية.
  3. الأعشاب الطبية والعطرية (Herbs): مثل الزعتر والأوريجانو.

هذه الفلسفة تجد جذورًا عميقة في أنظمة الطب التقليدي مثل الأيورفيدا الهندي والطب الصيني التقليدي، حيث تُستخدم هذه المكونات منذ آلاف السنين للوقاية من الأمراض وعلاجها. العلم الحديث بدأ يفك شفرة هذه الحكمة القديمة. المركبات التي أشار إليها الدكتور فايد مثل البوليفينولات (Polyphenols) والفلافونويدات (Flavonoids) هي فئات واسعة من مضادات الأكسدة القوية التي أظهرت خصائص مضادة للسرطان في آلاف الدراسات.

وقدم الدكتور فايد وصفة “خماسية” كمثال، تجمع بين:

  • الزعتر (Thyme): غني بمركبات الثيمول والكارفاكرول. دراسة في المختبر (in vitro) نشرت في “Molecules” عام 2017 أظهرت أن زيت الزعتر الأساسي يمكن أن يحفز موت الخلايا المبرمج (Apoptosis) في خلايا سرطان الثدي.
  • الحلبة (Fenugreek): أشار إلى دورها في الوقاية من سرطان المعدة. دراسة حيوانية (animal study) نشرت في “Environmental Toxicology and Pharmacology” وجدت أن مستخلص بذور الحلبة قلل من تطور أورام المعدة في الفئران.
  • الحبة السوداء (Nigella Sativa): تحتوي على مركب الثيموكينون (Thymoquinone). مراجعة منهجية (systematic review) منشورة في “Avicenna Journal of Phytomedicine” عام 2021 استعرضت العديد من الدراسات التي أظهرت قدرة الثيموكينون على استهداف مسارات متعددة للسرطان، بما في ذلك الالتهاب، تكاثر الخلايا، والانبثاث (Metastasis).
  • الكروية (Caraway): تحتوي على مركبات مثل الليمونين والكارفون. دراسات أولية في المختبر تشير إلى أن لزيتها العطري خصائص مضادة للأورام.
  • القرفة (Cinnamon): غنية بمركب السينامالدهيد (Cinnamaldehyde). دراسة مراجعة (review) في “Nutrients” عام 2020 لخصت الأدلة على أن القرفة ومكوناتها النشطة تمتلك تأثيرات مضادة للسرطان عبر آليات مختلفة، بما في ذلك خصائصها المضادة للأكسدة والالتهابات.

المكون الخارق: العكبر (Propolis)

يولي الدكتور فايد أهمية قصوى للعكبر، وهو مادة صمغية يجمعها النحل، ويعتبره “المكون المضاد للسرطان المؤكد والوحيد في الطبيعة”. ويستغرب من تشكيك البعض فيه أو حتى منع الأطباء للمرضى من استخدامه. الأدلة العلمية حول العكبر قوية ومتزايدة. مراجعة شاملة (comprehensive review) نشرت في مجلة “Cancers” عام 2020 بعنوان “Propolis and Its Potential for Cancer Treatment“، استعرضت مئات الدراسات التي أظهرت أن العكبر من مناطق جغرافية مختلفة يحتوي على مركبات فينولية وفلافونويدات (مثل CAPE) تهاجم الخلايا السرطانية من زوايا متعددة: تمنع نموها، تحفز موتها، تمنع تكوين أوعية دموية جديدة للورم، وتقلل من خطر الانبثاث، مع تأثير ضئيل على الخلايا السليمة. وقد أجريت دراسات على خلايا سرطانية بشرية (human cell lines) وحيوانات، مع بدء ظهور تجارب سريرية أولية على البشر.

دعوة إلى التمكين والمسؤولية الشخصية

في جوهره، ما يدعو إليه الدكتور فايد هو ثورة في عقلية المريض، من متلقٍ سلبي للعلاج إلى مشارك نشط ومسؤول عن شفائه. إنه يحث الناس على “تشمير سواعدهم” والوقوف في مطابخهم لإعداد علاجهم بأنفسهم، والبحث والتعلم عن خصائص الأغذية. كما يحذر بشدة من “العشابين” التجاريين الذين يبيعون خلطات مغشوشة ومطحونة مسبقًا، مؤكدًا على ضرورة شراء المكونات كاملة وطحنها في المنزل لضمان نقائها وفعاليتها.

إن رسالته، رغم أنها قد تبدو مثيرة للجدل للبعض، تتماشى مع اتجاه عالمي متزايد نحو الطب التكاملي (Integrative Medicine)، الذي يجمع بين أفضل ما في العلاجات التقليدية وأفضل ما في التغييرات الحياتية القائمة على الأدلة لتقديم رعاية شاملة تركز على المريض ككل، وليس فقط على المرض.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء خبراء ودراسات متاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب دائمًا استشارة الطبيب المختص قبل اتخاذ أي قرارات تتعلق بصحتك.