هل يمكن أن يصبح السرطان مرضاً يمكن السيطرة عليه من خلال ما نأكله؟ وهل يمكن لمكونات طبيعية بسيطة أن تُحدث فرقاً حقيقياً في رحلة العلاج؟ هذه الأسئلة، التي كانت تعتبر من المحرمات في الطب التقليدي، أصبحت اليوم في صميم نقاش عالمي متزايد حول دور التغذية وأسلوب الحياة في مواجهة الأمراض المعقدة. في هذا السياق، يبرز صوت الدكتور محمد الفايد، الخبير في علوم الأغذية والتغذية، الذي قدم في مقطع فيديو حديث رؤية شاملة وجريئة، ترتكز على نظام غذائي صارم ومزيج قوي من المكونات الطبيعية.
في هذا التقرير المفصل، نستعرض النقاط الأساسية التي طرحها الدكتور الفايد، مع التعمق في الأدلة العلمية المتاحة لكل ادعاء، واستكشاف آراء خبراء آخرين، وربط هذه الأفكار بالأنظمة الطبية التقليدية العريقة، بهدف تقديم صورة تعليمية متكاملة ومحايدة.
الركيزة الأولى: العودة إلى “الأكل النظيف”
يطرح الدكتور الفايد مفهوماً بسيطاً وقوياً في آن واحد: أساس أي برنامج صحي لمريض السرطان يبدأ من “نظام غذائي نظيف”. يتمثل هذا النظام في العودة إلى الطبخ المنزلي، باستخدام مكونات طبيعية وأواني طهي صحية (مثل الفخار أو الستانلس ستيل)، والابتعاد تماماً عن كل ما هو مُصنّع. ويحدد أربعة أعداء رئيسيين يجب تجنبهم بشكل قاطع:
- الزيوت الصناعية المهدرجة وزيوت المائدة: يدعو إلى استبدالها بزيت الزيتون البكر.
- الدقيق الأبيض والخميرة الصناعية: يفضل استخدام الحبوب الكاملة (قمح، شعير) مع الخميرة البلدية.
- السكر الأبيض: يعتبره “وقوداً” للخلايا السرطانية.
- جميع أنواع اللحوم: يشمل ذلك اللحوم الحمراء والدواجن، مشدداً على أن الدواجن هي أيضاً لحوم حمراء من منظور بيوكيميائي لاحتوائها على الدم والميوجلوبين، وأن اللحوم البيضاء الحقيقية هي لحوم الأسماك فقط، والتي يسمح بها.
ماذا يقول العلم؟ تتلاقى دعوة الدكتور الفايد مع توجهات علمية متزايدة.
- اللحوم المصنعة والحمراء: صنفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC)، التابعة لمنظمة الصحة العالمية، اللحوم المصنعة على أنها “مسرطنة للبشر” (المجموعة 1)، وربطت بينها وبين سرطان القولون والمستقيم. كما صنفت اللحوم الحمراء على أنها “محتملة التسرطن” (المجموعة 2A). يمكن الاطلاع على تقرير IARC هنا.
- السكر والأغذية المصنعة: أظهرت دراسات عديدة وجود علاقة بين الاستهلاك المرتفع للسكر والأطعمة فائقة المعالجة وزيادة خطر الإصابة بالسرطان. دراسة مراجعة نشرت في مجلة Nutrients عام 2019 وجدت أن الأنظمة الغذائية التي تسبب ارتفاعاً في نسبة السكر في الدم قد تزيد من خطر الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان.
- الدواجن: الجدل حول الدواجن أقل حسماً. معظم الدراسات لا تضعها في نفس خانة الخطورة مع اللحوم الحمراء والمصنعة، لكن طريقة الطهي (مثل القلي أو الشوي على درجات حرارة عالية) يمكن أن تنتج مركبات ضارة. رؤية الدكتور الفايد بأنها “لحم أحمر” هي وجهة نظر بيوكيميائية تستحق التأمل، وإن كانت لا تتطابق مع التصنيف الغذائي الشائع.
الاستراتيجية الفعالة: خلطة البذور والتوابل والأعشاب
بعد وضع الأساس الغذائي النظيف، ينتقل الدكتور الفايد إلى جوهر استراتيجيته: دمج مجموعة واسعة من المكونات الطبيعية النشطة بيولوجياً في النظام الغذائي اليومي. يقترح طريقتين: إما إضافتها مباشرة إلى الأطباق (شوربة، حساء، عصائر)، أو تحضير خلطة مركزة يتم تناولها بجرعات محددة.
يقسم هذه المكونات إلى ثلاث فئات رئيسية:
1. البذور (الحبوب الزيتية):
- بذور الكتان، السمسم (الزنجلان)، الحبة السوداء (حبة البركة)، الحلبة، حب الرشاد، اليانسون (النافع)، الشمر (الشمرة)، بذور الكزبرة، الكروية، وبذور الشيا.
- يضيف إمكانية إضافة الكمون والزؤان (canary grass) إن توفر.
2. التوابل والأعشاب العطرية:
- القوية: القرفة، القرنفل، الكركم، الزنجبيل، الخولنجان.
- المكملة: الكَبَر (القبار)، الزعفران، الكبابة (cubeb pepper)، الهيل (حب الهال)، جوزة الطيب (بكمية قليلة جداً)، القسط الهندي (Costus)، الصمغ العربي، واللبان (Frankincense).
- ملاحظة هامة: يمنع الفلفل الأسود والأبيض منعاً باتاً.
3. الأعشاب المجففة وأوراق الأشجار:
- الزعتر، البردقوش (المرددوش)، إكليل الجبل (الآزير)، النعناع الفلفلي.
- أوراق الزيتون، أوراق الرمان، والصنوبر.
الأساس العلمي لهذه المكونات: هذه اللائحة الطويلة ليست عشوائية، فكل مكون فيها تقريباً كان موضوعاً لأبحاث علمية مكثفة، وإن كانت معظمها دراسات مخبرية (in vitro) أو على الحيوانات.
- بذور الكتان: غنية بالليغنان (lignans)، وهي مركبات نباتية لها خصائص شبيهة بالإستروجين ومضادة للأكسدة. مراجعة شاملة نشرت في Current Oncology Reports تشير إلى دورها المحتمل في تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي والبروستاتا.
- الحبة السوداء (Nigella Sativa): يحتوي زيتها على مركب الثيموكينون (Thymoquinone)، الذي أظهر في مئات الدراسات المخبرية قدرات واعدة في قتل الخلايا السرطانية وتثبيط نموها.
- الكركم: المكون النشط فيه هو الكركمين (Curcumin)، وهو أحد أكثر المركبات الطبيعية التي تمت دراستها. يمتلك خصائص قوية مضادة للالتهابات ومضادة للأكسدة. مراجعة منهجية في مجلة Nutrients عام 2019 تلخص آثاره الواعدة ضد أنواع متعددة من السرطان في الدراسات قبل السريرية.
- اللبان (Frankincense): المستخلص من شجرة البوسويليا (Boswellia)، يحتوي على أحماض البوسويليك (Boswellic acids). دراسة نشرت في PLoS One أظهرت قدرة هذا المستخلص على استهداف الخلايا السرطانية في سرطان المثانة دون الإضرار بالخلايا السليمة في بيئة المختبر.
- القرفة والزنجبيل والقرنفل: تشتهر هذه التوابل بخصائصها المضادة للأكسدة والالتهابات، وهي عمليات حيوية تلعب دوراً في تطور السرطان.
يتفق العديد من الخبراء في مجال التغذية الوظيفية، مثل الدكتور ويليام لي (Dr. William Li)، مؤلف كتاب “Eat to Beat Disease”، على أن العديد من هذه الأطعمة النباتية تحتوي على مركبات نشطة بيولوجياً يمكنها “تجويع” السرطان عن طريق قطع إمدادات الدم عن الأورام (anti-angiogenesis).
الجرعة وطريقة الاستعمال: “الخلطة السحرية”
يقترح الدكتور الفايد طحن جميع هذه المكونات (حوالي 20-30 مكوناً) ومزجها جيداً. طريقة الاستخدام تختلف حسب الحالة:
- للوقاية وللأشخاص الأصحاء: ملعقة صغيرة تضاف إلى الطبخ اليومي للعائلة.
- لمرضى السرطان: ملعقة كبيرة في اليوم. يوضح أن تناول هذا الخليط أفضل من تناول مكون واحد بجرعة عالية (مثل ملعقة قرفة)، لأن المزج يحدث “تخفيفاً” (Dilution) ويقلل من أي سمية محتملة، بينما يزيد من التآزر بين المكونات. وينصح بتقسيم الجرعة على مدار اليوم (مثلاً، نصف ملعقة كبيرة مرتين أو ثلاث مرات) وإضافتها إلى الطعام (شوربة، حساء) لامتصاص أفضل.
هذه الفكرة حول التآزر (Synergy) بين المركبات النباتية هي مبدأ أساسي في طب الأعشاب التقليدي، سواء في الطب الصيني التقليدي (TCM) أو الأيورفيدا الهندي، حيث نادراً ما يتم استخدام عشبة واحدة بمفردها.
نقطة الجدل الكبرى: مضادات الأكسدة والعلاج الكيميائي
يخصص الدكتور الفايد جزءاً كبيراً من حديثه لتحدي فكرة شائعة في الأوساط الطبية، وهي التحذير من تناول مضادات الأكسدة أثناء الخضوع للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي. يصف هذا التحذير بأنه “تضليل” يهدف إلى منع المريض من التعافي وإبقائه معتمداً على العلاجات التقليدية.
ما هو الموقف العلمي من هذه القضية؟ هذه المسألة معقدة للغاية ولا تزال موضع نقاش علمي.
- الرأي المحذر: النظرية وراء التحذير هي أن العلاج الكيميائي والإشعاعي يعملان عن طريق إنتاج كميات هائلة من الجذور الحرة (Free Radicals) لتدمير الخلايا السرطانية. وبما أن مضادات الأكسدة تعمل على تحييد هذه الجذور الحرة، فهناك قلق من أنها قد تحمي الخلايا السرطانية وتقلل من فعالية العلاج.
- الرأي الداعم: على الجانب الآخر، يرى باحثون آخرون أن مضادات الأكسدة قد تحمي الخلايا السليمة من الأضرار الجانبية للعلاج الكيميائي، مما يقلل من الآثار الجانبية المنهكة (مثل تلف الأعصاب، الإعياء، تقرحات الفم) ويحسن جودة حياة المريض، بل وقد يسمح له بإكمال بروتوكول العلاج.
- الأدلة: مراجعة منهجية واسعة نشرت في Cancer Treatment Reviews فحصت العديد من التجارب السريرية وخلصت إلى أن مضادات الأكسدة لا تتداخل مع العلاج الكيميائي، بل قد تحسن من النتائج وتقلل من السمية. ومع ذلك، يؤكد المعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة (NCI) أن الأدلة لا تزال غير حاسمة ويوصي المرضى بمناقشة استخدام أي مكملات مع أطبائهم.
خبراء في مجال الأورام التكاملي (Integrative Oncology) مثل الدكتور كيث بلوك (Dr. Keith Block) في شيكاغو، يتبنون نهجاً حذراً ومخصصاً، حيث يستخدمون جرعات محددة من مضادات الأكسدة في أوقات معينة من دورة العلاج، بناءً على نوع السرطان ونوع العلاج المستخدم.
دعوة إلى الذكاء والتمكين
في ختام حديثه، يوجه الدكتور الفايد نداءً قوياً للمرضى بأن يكونوا “أذكياء” ومراقبين لحالتهم الصحية. ينتقد فكرة التركيز الأعمى على “إذابة الورم” بينما يفقد المريض وزنه بشكل كبير وتنهار مناعته (انخفاض كريات الدم البيضاء). يدعو المريض إلى أن يكون شريكاً فعالاً في رحلته العلاجية، وألا يتبع البروتوكولات بشكل سلبي إذا كانت النتائج على صحته العامة كارثية.
هذه الدعوة للتمكين تتوافق مع حركة عالمية متنامية نحو “الطب التشاركي”، حيث لا يكون المريض مجرد متلقٍ سلبي للعلاج، بل مشارك نشط يتخذ القرارات بالتعاون مع فريقه الطبي.
تنويه: هذا المقال يلخص آراء خبير ودراسات متاحة لأغراض تعليمية وتثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب على المرضى دائماً استشارة أطبائهم قبل إجراء أي تغييرات جوهرية في نظامهم الغذائي أو تناول أي مكملات، خاصة أثناء فترة العلاج.