هل يمكن أن يكون الشفاء من آلام المفاصل المزمنة، وخصوصًا آلام الركبة التي أجبرت الكثيرين على الصلاة جلوسًا، أقرب إلينا مما نتصور؟ في عالم يعج بالمسكنات والحقن والجراحات، قد يبدو الحل الغذائي بسيطًا لدرجة لا تصدق، لكنه قد يكون الحقيقة الغائبة. فماذا لو كان مفتاح استعادة القدرة على السجود والحركة بحرية يكمن في تغيير محتويات طبق الطعام وثقافة الغذاء السائدة؟

في مقطع فيديو حديث، تناول الدكتور محمد الفايد، الخبير في علوم الأغذية والتغذية، موضوع آلام المفاصل الذي أصبح ظاهرة واسعة الانتشار، مقدماً رؤية شاملة تجمع بين النظام الغذائي والعلاجات الطبيعية. يطرح الفيديو فكرة أن العديد من العلاجات الحديثة قد تكون مجرد حلول مؤقتة تخفي الأعراض دون معالجة السبب الجذري، والذي غالبًا ما يكون مرتبطًا بنمط الحياة والغذاء.

الوزن الزائد: العدو الأول للركبة

أولى النقاط التي تم التشديد عليها هي العلاقة المباشرة بين زيادة الوزن وآلام الركبة. يوضح المتحدث أن أي محاولة لعلاج الركبة لشخص يعاني من السمنة المفرطة (وزن يتجاوز 100 كيلوغرام مثلاً) هي محاولة غير مجدية ما لم يتم تخفيض الوزن أولاً. فالركبة، وهي مفصل معقد، غير مصممة لتحمل هذا العبء الثقيل باستمرار، مما يؤدي إلى تآكل الغضاريف والتهاب الأنسجة المحيطة.

هذه الفكرة مدعومة بقوة في الأوساط العلمية. عند البحث عن أدلة، نجد دراسات عديدة تؤكد هذا المفهوم. على سبيل المثال، توصلت مراجعة منهجية وتحليل تجميعي (Meta-analysis) نُشرت في مجلة Obesity Reviews عام 2017 إلى أن فقدان الوزن لدى الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة يقلل بشكل كبير من آلام الركبة ويحسن وظيفتها. وتشير دراسة سريرية (Human study) من Arthritis & Rheumatology إلى أن كل كيلوغرام من الوزن المفقود يقلل الضغط على مفصل الركبة بما يعادل أربعة كيلوغرامات. هذا يعني أن فقدان 5 كيلوغرامات من الوزن يمكن أن يخفف العبء على الركبتين بمقدار 20 كيلوغرامًا مع كل خطوة.

النظام الغذائي: وقود الالتهاب أم بلسم الشفاء؟

ينتقل الحديث بعد ذلك إلى نقطة محورية: دور الغذاء في تأجيج الالتهاب أو إخماده، خاصة لدى كبار السن الذين يعانون من تراجع طبيعي في وظائف الجسم. بعد سن الـ 55، وخصوصًا عند النساء بعد انقطاع الطمث، يصبح الجسم أكثر عرضة لهشاشة العظام والمشاكل الهرمونية.

وفقًا للطرح المقدم، هناك ثلاثة أعداء رئيسيين يجب تجنبهم تمامًا:

  1. اللحوم والشحوم الحيوانية: خاصة لحوم الدواجن (الدجاج والديك الرومي) التي يُعتقد أنها تحتوي على بقايا مواد كيميائية من تقنيات الإنتاج المكثف.
  2. الزيوت الصناعية المهدرجة: زيوت الطبخ الشائعة.
  3. السكر الأبيض: وكل ما يُصنع منه من حلويات ومشروبات غازية.

يتم تفسير آلية هذا التأثير عبر مركبّات تسمى البروستاغلاندينات (Prostaglandins)، وهي مواد شبيهة بالهرمونات ينتجها الجسم وتتحكم في عمليات حيوية مثل الالتهاب والألم.

  • البروستاغلاندينات المسببة للألم (النوع 1 و 3): يتم تحفيز إنتاجها عبر استهلاك السكر واللحوم والزيوت الصناعية.
  • البروستاغلاندينات المسكنة للألم (النوع 2): يتم تحفيز إنتاجها بواسطة حمض الأوليك (Oleic Acid) الموجود بوفرة في زيت الزيتون، وأحماض أوميغا 3 الدهنية.

هذا التحليل يتوافق مع فهم الطب الحديث للالتهابات. دراسة منشورة في Journal of Translational Medicine وجدت أن الأنظمة الغذائية الغنية بالسكريات المكررة والدهون المشبعة (الموجودة في اللحوم المصنعة والوجبات السريعة) تزيد من علامات الالتهاب في الجسم. في المقابل، يُعرف زيت الزيتون البكر الممتاز بخصائصه المضادة للالتهاب، ويرجع ذلك جزئيًا إلى مركب يسمى الأوليوكانثال (Oleocanthal)، والذي أظهرت دراسات في المختبر (In-vitro studies) أن له تأثيرًا مشابهًا لتأثير دواء الإيبوبروفين المسكن للألم. كما أن مراجعة شاملة (Review) في مجلة Nutrients عام 2020 أكدت أن أحماض أوميغا 3 (EPA و DHA) الموجودة في الأسماك الدهنية تقلل بشكل فعال من إنتاج الجزيئات الالتهابية.

هذه الفكرة ليست حكرًا على العلم الحديث، ففي الطب الأيورفيدي الهندي (Ayurveda)، يُنظر إلى بعض الأطعمة على أنها تزيد من “النار” أو الالتهاب في الجسم، بينما تساعد أطعمة أخرى على إطفائها. وبالمثل، في الطب الصيني التقليدي (TCM)، تُصنف الأطعمة على أنها “حارة” أو “باردة” من حيث طاقتها، ويُنصح بتجنب الأطعمة “الحارة” (مثل اللحوم الحمراء والأطعمة المقلية) عند وجود حالات التهابية.

كنوز طبيعية لدعم المفاصل

بناءً على ما سبق، يوصي الفيديو بالتركيز على نظام غذائي غني بالمواد المضادة للالتهاب، مع دعم الجسم ببعض المكملات الطبيعية القوية:

  1. زيت الزيتون البكر: يجب أن يصبح المكون الأساسي في النظام الغذائي، مع استهلاكه بكميات وافرة.
  2. الأسماك الدهنية: كمصدر أساسي للبروتين وأحماض أوميغا 3 وفيتامين د.
  3. المكسرات والبذور والفواكه المجففة: مثل اللوز والجوز (غنية بأوميغا 3 والمغنيسيوم) والتمر والتين والزبيب (غنية بالكالسيوم والحديد والمغنيسيوم).
  4. العكبر (Propolis): وهو منتج نحل قوي يُنصح به بشدة، خاصة لكبار السن. يُعتقد أنه ينشط الإنزيمات، يحسن امتصاص العناصر الغذائية، ويساعد على تثبيت الكالسيوم في العظام. الأدلة العلمية تدعم هذه الفكرة؛ حيث أظهرت دراسة على الحيوانات (Animal study) نُشرت في Phytotherapy Research أن العكبر يمتلك تأثيرات قوية مضادة لالتهاب المفاصل.
  5. غذاء ملكات النحل (Royal Jelly): يُذكر كغذاء مقوٍ ومفيد بشكل عام.

يتفق العديد من خبراء التغذية والطب الوظيفي، مثل الدكتور مارك هايمان والدكتور أندرو ويل، على أن اتباع نظام غذائي مضاد للالتهابات هو حجر الزاوية في إدارة الأمراض المزمنة، بما في ذلك التهاب المفاصل.

وصفة تقليدية موضعية لتسكين الألم

إلى جانب التغييرات الغذائية، يقترح الفيديو وصفة لمرهم موضعي يمكن تحضيره في المنزل للمساعدة في تخفيف الألم مباشرة على الركبة.

  • المكونات الأساسية: ذروة الجمل (شحم سنام الجمل) وزيت الزيتون.
  • إضافات عطرية: قرنفل، خولنجان، صنوبر، وإكليل الجبل (الأزير).
  • طريقة الاستخدام: تُخلط المكونات جيدًا وتُدهن بها الركبة، ثم تُغطى بقطعة قماش أو ضمادة لمدة ساعة إلى ساعتين.

على الرغم من أن الأدلة السريرية المباشرة على فعالية “ذروة الجمل” قد تكون نادرة، إلا أن المكونات الأخرى لها أساس علمي. القرنفل يحتوي على مركب الأوجينول (Eugenol)، وهو مسكن طبيعي معروف. إكليل الجبل والخولنجان أظهرا خصائص مضادة للالتهاب في دراسات مخبرية. قد يعمل هذا المرهم عبر تأثير مكوناته النشطة بالإضافة إلى تأثير التدليك الذي يحسن الدورة الدموية الموضعية.

تحذير شديد اللهجة: احذروا الخلطات الجاهزة والنصب والاحتيال

يخصص جزء كبير من الحديث للتحذير من الممارسات الخادعة التي تستغل حاجة المرضى. ويتم التحذير من:

  • الحجامة على الركبة: حيث يرى المتحدث أنها لا تستند إلى أساس علمي واضح لهذه الحالة بالذات، وأن من يدّعون التخصص فيها قد لا يملكون المعرفة الكافية.
  • الخلطات العشبية الجاهزة: يتم التحذير بشدة من شراء الخلطات مجهولة المصدر التي تباع لدى العشابين أو عبر الإنترنت، حيث قد تكون مغشوشة بمواد ضارة (مثل البروبوليس الصيني الرخيص أو حتى أدوية كيميائية مثل الفياجرا في خلطات أخرى) وقد تؤخر المريض عن الحصول على العلاج الطبي المناسب، مما قد يؤدي إلى تفاقم حالته، وذكر حالات لمرضى سرطان وصلوا إلى مرحلة الانتشار (Metastasis) بسبب تأخرهم.
  • الأشخاص غير المؤهلين: الذين يقدمون أنفسهم كخبراء تغذية أو أطباء وهم لا يحملون المؤهلات العلمية الكافية.

النصيحة الأساسية هنا هي تمكين الذات. بدلاً من شراء خلطة جاهزة، يُنصح بشراء المكونات الخام (مثل العكبر المضمون من شركات موثوقة، أو الأعشاب) وتحضير الوصفات في المنزل لضمان نقائها وجودتها.

الخلاصة: الطريق إلى الشفاء يبدأ من الوعي

الرسالة النهائية التي يتردد صداها بقوة هي أن الشفاء الحقيقي يتطلب وعيًا ومسؤولية شخصية. لا يمكن لأي علاج، سواء كان طبيعيًا أو حديثًا، أن يعمل بفعالية إذا استمر الشخص في تزويد جسمه بوقود الالتهاب. إن تجنب اللحوم والسكريات والزيوت المصنعة ليس مجرد توصية، بل هو شرط أساسي لا غنى عنه لبدء عملية الشفاء. قد تكون هذه الطريقة صعبة وتتطلب التزامًا، لكنها تعد بعلاج جذري ومستدام بدلاً من الحلول المؤقتة. إن تعلم كيفية علاج أنفسنا عبر فهم أجسادنا وما يدخلها قد يكون أعظم استثمار في صحتنا على المدى الطويل.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء خبراء ودراسات متاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب دائمًا استشارة الطبيب أو مقدم الرعاية الصحية المؤهل قبل اتخاذ أي قرارات تتعلق بصحتك.