هل يمكن أن يكون الصيام سلاحاً فعالاً في مواجهة مرض السرطان؟ وهل يمكن لنظام غذائي محدد أن يساعد الجسم على مقاومة هذا المرض المعقد بل وحتى التعافي منه؟ في حديث له على يوتيوب، طرح الدكتور محمد فايد رؤية شاملة وبروتوكولاً مفصلاً موجهاً للمصابين بالسرطان، مؤكداً أن الصيام، إذا تم بالطريقة الصحيحة، يمكن أن يكون عاملاً أساسياً ليس فقط في تحسين الصحة العامة، بل وفي دعم المسار العلاجي ضد مختلف أنواع الأورام. يقدم هذا المقال ملخصاً تعليمياً لأفكاره، معززاً بالأدلة العلمية المتاحة والآراء المتخصصة الأخرى.

في مقطع فيديو حديث، أوضح المتحدث أن شهر الصيام يمثل فرصة ثمينة لا ينبغي إهدارها، خاصة بالنسبة لمرضى السرطان. وأشار إلى أن المبدأ الأساسي الذي يعمل من خلاله الصيام هو حرمان الخلايا السرطانية من العناصر التي تتغذى عليها، وفي مقدمتها السكر، وتعزيز آليات الدفاع الطبيعية في الجسم. لكن الاستفادة من هذه الفرصة تتطلب التزاماً صارماً بنمط حياة محدد، يختلف باختلاف مرحلة المريض في رحلته مع المرض.

المرحلة الأولى: ما بعد العلاج والوقاية من الانتكاس

يركز الدكتور فايد بشدة على فئة المرضى الذين أنهوا علاجاتهم (مثل الجراحة، العلاج الكيماوي، أو الإشعاعي) وأخبرهم أطباؤهم بأنهم في حالة شفاء. يحذر من أن هذه هي أخطر مرحلة، حيث قد يشعر المريض بالاطمئنان الزائف ويعود إلى نمط الحياة الذي تسبب في ظهور المرض أصلاً، مما يفتح الباب أمام عودة السرطان بقوة أكبر.

النصيحة الأساسية لهذه الفئة هي عدم التهاون مطلقاً. يجب أن يكون الصيام فرصة لترسيخ نمط حياة صحي ودائم، قائم على:

  • نظام غذائي طبيعي: الاعتماد الكامل على طبخ المنزل، باستخدام زيت الزيتون حصراً، والابتعاد التام عن الزيوت الصناعية المهدرجة.
  • تجنب الممنوعات: الامتناع الكلي عن الأطعمة المصنعة والمعلبة، السكر الأبيض، الخبز الأبيض المصنوع بالخميرة الصناعية، المقليات، والحلويات.
  • الحركة والرياضة: النشاط البدني اليومي ضروري لتعزيز الدورة الدموية والمناعة.

ماذا يقول العلم؟ تدعم العديد من الدراسات هذه التوصيات. تشير الأبحاث إلى أن نمط الحياة يلعب دوراً حاسماً في الوقاية من عودة السرطان.

  • في مراجعة منهجية وتحليل تلوي (Meta-analysis) نُشرت في مجلة Cancer عام 2021، وجد الباحثون أن الالتزام بنمط حياة صحي (وزن مثالي، نشاط بدني، نظام غذائي غني بالنباتات) بعد تشخيص سرطان الثدي كان مرتبطاً بانخفاض كبير في خطر الوفاة وعودة المرض. رابط الدراسة.
  • يتفق خبراء عالميون مثل الدكتور ويليام لي (William Li)، مؤلف كتاب “Eat to Beat Disease”، على أن بعض الأطعمة يمكنها قطع إمدادات الدم عن الأورام (وهي عملية تسمى Angiogenesis)، وهو ما يتماشى مع فكرة تجويع السرطان التي طرحها الدكتور فايد.

المرحلة الثانية: قبل البدء في العلاج الكيماوي أو الإشعاعي

بالنسبة للمرضى الذين تم تشخيصهم حديثاً ويستعدون لبدء العلاج، يشدد الدكتور فايد على أهمية هذه الفترة التحضيرية. الهدف هو رفع مناعة الجسم إلى أقصى درجة ممكنة ليتمكن من تحمل قسوة العلاجات وتحقيق أفضل استجابة. وينصح بمراقبة ثلاثة مؤشرات حيوية رئيسية:

  1. مستوى المناعة: التأكد من أن عدد الكريات البيضاء والصفائح الدموية ضمن المعدلات الجيدة.
  2. مستوى فيتامين د: يجب أن يكون مرتفعاً.
  3. مستوى الحديد: يجب أن يكون جيداً لتجنب فقر الدم.

النظام الغذائي المقترح في هذه المرحلة يعتمد على الصيام الصحيح مع:

  • نظام نباتي صارم: تجنب كل أنواع اللحوم، السكر، والخبز الأبيض.
  • وجبة واحدة رئيسية: التركيز على وجبة الإفطار، التي يجب أن تكون غنية بالأطعمة النيئة (الطازجة) مثل سلطات وعصائر الخضار والفواكه، بالإضافة إلى النشويات الكاملة والبقوليات.
  • السوائل في السحور: الاكتفاء بالماء، الشاي، أو الفواكه في فترة السحور.

ماذا يقول العلم؟ فكرة “تحسين” الجسم قبل العلاج الكيماوي هي مجال بحث نشط.

  • فيتامين د: مراجعة شاملة (Review) نُشرت في Seminars in Cancer Biology عام 2020، سلطت الضوء على الدور المحتمل لفيتامين د في تحسين الاستجابة للعلاج المناعي للسرطان وتقليل الآثار الجانبية. رابط الدراسة.
  • الصيام قصير الأمد: أظهرت دراسات، قاد بعضها الدكتور فالتر لونغو (Valter Longo)، أن الصيام قصير الأمد قبل جلسات العلاج الكيماوي قد يحمي الخلايا السليمة ويجعل الخلايا السرطانية أكثر حساسية للعلاج. دراسة على البشر (Human Study) نُشرت في BMC Cancer وجدت أن الصيام كان آمناً وممكناً للمرضى، وقد يقلل من بعض الآثار الجانبية للعلاج الكيماوي. رابط الدراسة.

المرحلة الثالثة: أثناء الخضوع للعلاج

هذه المرحلة تتطلب حذراً شديداً. يقر الدكتور فايد بأن بعض المرضى قد لا يقدرون على الصيام، خاصة بعد جرعات العلاج الكيماوي مباشرة. في هذه الحالة، لا يجب إجبار الجسم على الصيام، ولكن يجب الالتزام بنظام غذائي نظيف تماماً، خالٍ من نفس الممنوعات المذكورة سابقاً.

ويضيف توصيات محددة لهذه المرحلة:

  • الشعير وزيت الزيتون: الإكثار من حساء الشعير مع كمية وافرة من زيت الزيتون.
  • الأسماك: مسموح بها كمصدر بروتين سهل الهضم.
  • الأطعمة النيئة: زيادة حصة الخضار والفواكه الطازجة.
  • البذور (البذرات): إضافة حبوب الكتان، الحبة السوداء، وحب الرشاد إلى الأطباق مثل حساء الشعير.

ماذا يقول العلم؟

  • الشعير: غني بألياف البيتا-جلوكان (Beta-glucan)، والتي أظهرت دراسات مخبرية (In-vitro) وحيوانية (Animal studies) أنها تمتلك خصائص معدلة للمناعة ومضادة للأورام.
  • زيت الزيتون البكر الممتاز: يحتوي على مركبات فينولية مثل الأوليوكانثال (Oleocanthal)، الذي أظهر في دراسات مخبرية قدرته على قتل الخلايا السرطانية بسرعة دون المساس بالخلايا السليمة. دراسة من جامعة روتجرز.

المكملات الغذائية الأساسية

يكرر الدكتور فايد ثلاث مرات للتأكيد على أهميتها: “المكملات لابد منها”. ويحدد ثلاثة أنواع رئيسية لدعم المناعة أثناء رحلة العلاج:

  1. العكبر (Propolis): مادة صمغية ينتجها النحل، ويصفها بأنها ضرورية للغاية.
  2. أوميغا 3 (Omega-3): الأحماض الدهنية الأساسية المعروفة بخصائصها المضادة للالتهابات.
  3. البروبيوتيك (Probiotics): البكتيريا النافعة لدعم صحة الجهاز الهضمي، مع التشديد على أنها يجب أن تكون “بكتيريا لبنية (Lactic Acid Bacteria)” وليست خمائر.

ماذا يقول العلم؟

  • العكبر: استُخدم في الطب التقليدي لآلاف السنين. مراجعة علمية (Scientific Review) نُشرت في Journal of Dietary Supplements عام 2022، خلصت إلى أن العكبر يحتوي على مركبات نشطة بيولوجياً أظهرت تأثيرات واعدة مضادة للسرطان في الدراسات المخبرية والحيوانية، عبر آليات مثل تحفيز موت الخلايا المبرمج (Apoptosis) وتثبيط تكوين أوعية دموية جديدة تغذي الورم (Anti-angiogenesis). ومع ذلك، لا تزال الدراسات السريرية على البشر محدودة. رابط المراجعة.
  • أوميغا 3: تحليل تلوي (Meta-analysis) ضخم نُشر في The BMJ عام 2020، أشار إلى أن تناول مكملات أوميغا 3 قد يكون مرتبطاً بانخفاض طفيف في خطر الوفاة بسبب السرطان. رابط التحليل.
  • البروبيوتيك: تزايد الاهتمام بدور الميكروبيوم المعوي في علاج السرطان. دراسة سريرية (Clinical Trial) نُشرت في مجلة Science أظهرت أن استجابة مرضى الميلانوما (سرطان الجلد) للعلاج المناعي كانت أفضل لدى المرضى الذين يمتلكون تنوعاً أكبر في بكتيريا الأمعاء. تناول البروبيوتيك قد يساعد في تخفيف بعض الآثار الجانبية للعلاج الكيماوي مثل الإسهال.

جدل البذور وسرطان الثدي

يتطرق الدكتور فايد إلى نقطة خلافية شائعة، وهي نصيحة البعض لمرضى سرطان الثدي بتجنب بذور مثل الكتان والسمسم واليانسون لاحتوائها على الفيتواستروجينات (Phytoestrogens)، وهي مركبات نباتية تشبه هرمون الاستروجين. يرفض الدكتور فايد هذا التحذير بشدة ويصفه بـ “التضليل”، مؤكداً أن على هؤلاء المريضات الإكثار من هذه البذور.

ماذا يقول العلم؟ هذه القضية معقدة، لكن الإجماع العلمي الحالي يميل إلى دعم موقف الدكتور فايد فيما يتعلق بالأطعمة الكاملة.

  • المعهد الأمريكي لأبحاث السرطان (AICR) يوضح أن الفيتواستروجينات الموجودة في الأطعمة مثل بذور الكتان وفول الصويا قد تكون واقية. الليغنان (Lignans) في بذور الكتان، على سبيل المثال، قد يقلل من تأثير هرمون الاستروجين الطبيعي في الجسم، مما قد يقلل من نمو الخلايا السرطانية المعتمدة على الاستروجين.
  • دراسة كبيرة على البشر (Prospective Cohort Study) شملت أكثر من 6000 امرأة مصابة بسرطان الثدي، وجدت أن تناول كميات أكبر من الليغنان كان مرتبطاً بانخفاض خطر الوفاة. رابط الدراسة من AICR.
  • الخلاصة: الأدلة تدعم استهلاك بذور الكتان كجزء من نظام غذائي صحي لمرضى سرطان الثدي، لكن ينصح دائماً باستشارة الطبيب المعالج قبل إجراء أي تغييرات كبيرة.

خلاصة البروتوكول: الصيام الصحيح

يلخص الدكتور فايد طريقته في الصيام الصحيح بالنقاط التالية:

  • وجبة واحدة: وجبة الإفطار هي الوجبة الرئيسية.
  • ممنوع الأكل ليلاً: يُسمح فقط بالماء والسوائل الدافئة (شاي، أعشاب) والفواكه.
  • النوم المبكر: النوم ضروري لإنتاج الميلاتونين وتنظيم الهرمونات.
  • الماء الدافئ: شرب كميات كبيرة من الماء الدافئ في الليل.
  • آلية العمل: الصيام الصحيح يحفز عملية الالتهام الذاتي (Autophagy)، وهي آلية تنظيف داخلية يتخلص فيها الجسم من الخلايا التالفة والسرطانية المحتملة، ويمنع تكون الأوعية الدموية الجديدة التي تغذي الأورام (Anti-angiogenesis).

هذه المبادئ تتوافق مع الأبحاث الحديثة حول الصيام المتقطع، والتي أظهرت فوائده المحتملة في تنظيم سكر الدم، تقليل الالتهابات، وتحفيز مسارات الإصلاح الخلوي.

في الختام، يقدم الدكتور محمد فايد خريطة طريق صارمة ولكنها واعدة للمصابين بالسرطان. إنها دعوة للعودة إلى الطبيعة، لتمكين الجسم من استخدام أقوى أدواته الدفاعية. وبينما يؤكد على قوة الصيام والغذاء، فإنه يشدد على أن هذا الطريق يتطلب إرادة قوية وانضباطاً مطلقاً، فمع السرطان “إما أن تقدر أو لا تقدر”.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء الخبير والدراسات المتاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب على المرضى دائماً استشارة أطبائهم قبل إجراء أي تغييرات على نظامهم الغذائي أو العلاجي.