هل يمكن أن يكون الألم المزعج في جانبك الأيمن علامة على مشكلة يمكن تجنبها عبر ما تضعه في طبقك؟ تعتبر حصوات المرارة من أكثر المشاكل الصحية شيوعاً في الجهاز الهضمي، وغالباً ما يكون الحل الجراحي هو الخيار الأول الذي يُطرح على الطاولة. لكن ماذا لو كانت هناك طرق طبيعية لا تساهم في الوقاية فحسب، بل قد تساعد في التعامل مع الحصوات الموجودة بالفعل؟
في فيديو حديث على منصة يوتيوب، تناول الخبير في علوم الأغذية والتغذية، الدكتور محمد فايد، موضوع حصوات المرارة بعمق، رابطاً بين تكونها وبين عاداتنا الغذائية اليومية، ومقدماً بروتوكولاً طبيعياً يهدف إلى إذابتها. يطرح هذا النهج أسئلة مهمة حول دور التغذية في إدارة هذه الحالة، وهو ما سنستعرضه في هذا التقرير المفصل مع التعليق العلمي.
ما هي حصوات المرارة وكيف تتشكل؟
في بداية حديثه، أوضح الدكتور فايد أن حصوات المرارة (Gallstones أو Cholelithiasis) ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمشاكل صحية أخرى مثل ارتفاع الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم. تتكون هذه الحصوات بشكل أساسي من نوعين: حصوات الكوليسترول، وهي الأكثر شيوعاً وتتشكل عندما يكون هناك فائض من الكوليسترول في العصارة الصفراوية (Bile)، وحصوات الصبغات (Pigment stones)، التي تتكون من البيليروبين (Bilirubin)، وهي مادة تنتج عن تكسر خلايا الدم الحمراء.
الكبد هو العضو المسؤول عن إنتاج العصارة الصفراوية، مستخدماً الكوليسترول كمادة خام أساسية. وظيفة هذه العصارة هي “استحلاب الدهون” (Emulsifying fats)، أي تكسير الدهون الكبيرة القادمة من الطعام إلى قطرات صغيرة في الأمعاء الدقيقة، مما يسهل على إنزيم الليباز (Lipase) القادم من البنكرياس هضمها. بعد أداء مهمتها، يعود جزء كبير من العصارة الصفراوية إلى المرارة ليتم تخزينه وإعادة استخدامه.
المشكلة تبدأ، كما يشرح الدكتور فايد، عندما يختل هذا التوازن. النظام الغذائي الحديث، الذي يعتمد بكثرة على اللحوم والدهون المشبعة ويفتقر إلى الألياف الغذائية، هو المتهم الرئيسي.
دور الألياف الغذائية: الحارس المنسي
يقدم الدكتور فايد آلية فسيولوجية واضحة لشرح كيف يساهم النظام الغذائي الغني بالألياف في الوقاية من حصوات المرارة. عندما نتناول الألياف (الموجودة بكثرة في الخضروات، الفواكه، الحبوب الكاملة، والبقوليات)، فإنها ترتبط بالعصارة الصفراوية في الأمعاء الدقيقة وتمنع إعادة امتصاصها بالكامل. نتيجة لذلك، يتم التخلص من جزء من هذه العصارة مع الفضلات.
هذا “الفقدان” يجبر الكبد على العمل من جديد لإنتاج كمية جديدة من العصارة الصفراوية، وهو في سبيل ذلك يستهلك المزيد من الكوليسترول الموجود في الدم. هذه العملية لا تساهم فقط في خفض مستويات الكوليسترول في الدم، بل تضمن أيضاً أن العصارة الصفراوية تبقى متجددة وغير راكدة، مما يقلل من فرصة تركز الكوليسترول وتكوينه للحصوات.
تدعم العديد من الدراسات العلمية هذا الطرح بقوة. على سبيل المثال، وجدت دراسة مراجعة منهجية وتحليل تجميعي (meta-analysis) منشورة في مجلة Nutrients عام 2022 أن تناول كميات أكبر من الألياف الغذائية يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض المرارة. وعند البحث في الأدلة، وجدتُ دراسة أخرى نُشرت في المجلة الأمريكية لأمراض الجهاز الهضمي تابعت أكثر من 45,000 رجل على مدى 6 سنوات، وخلصت إلى أن الأنظمة الغذائية الغنية بالألياف قد تقلل من خطر الإصابة بحصوات المرارة المصحوبة بأعراض.
على النقيض، النظام الغذائي الفقير بالألياف والغني بالدهون الحيوانية يخلق بيئة مثالية لتكون الحصوات. فهو يتطلب كمية كبيرة من العصارة الصفراوية لهضم الدهون، ولكن في غياب الألياف، تعود هذه العصارة المشبعة بالكوليسترول بالكامل إلى المرارة، فتصبح قديمة ومركزة، ومع مرور الوقت، يبدأ الكوليسترول في التبلور وتشكيل الحصوات التي تنمو تدريجياً.
لماذا النساء أكثر عرضة للإصابة؟
أشار الدكتور فايد إلى ملاحظة إحصائية معروفة، وهي أن حصوات المرارة أكثر شيوعاً عند النساء مقارنة بالرجال. ويفسر ذلك بأن جسم المرأة يحتوي طبيعياً على نسبة دهون أعلى (حوالي 22%) مقارنة بالرجل (حوالي 11%)، وهو ما يجعل جسمها أكثر نعومة وليونة. هذه النسبة العالية من الدهون تجعل جسم المرأة أقل تحملاً للدهون الحيوانية الزائدة، مما يزيد من خطر تكون الحصوات عند اتباع نظام غذائي غير صحي.
يتفق العلم مع هذه الملاحظة ويضيف أبعاداً أخرى. الهرمونات الأنثوية، وخاصة هرمون الإستروجين، تلعب دوراً محورياً. تشير الأبحاث، مثل تلك التي نشرها المعهد الوطني للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكلى (NIDDK)، إلى أن الإستروجين يزيد من إفراز الكوليسترول في العصارة الصفراوية، بينما قد يقلل هرمون البروجسترون من قدرة المرارة على الانقباض وإفراغ محتوياتها بانتظام. هذا هو السبب في أن خطر الإصابة يزداد أثناء الحمل أو عند استخدام حبوب منع الحمل أو العلاج الهرموني البديل.
بروتوكول طبيعي مثير للجدل لإذابة الحصوات
بالنسبة للحالات غير الطارئة التي لا تعاني من التهاب حاد أو آلام لا تحتمل، يقترح الدكتور فايد بروتوكولاً طبيعياً يهدف إلى إذابة الحصوات تدريجياً. ويؤكد أن الحالات المستعجلة تتطلب تدخلاً طبياً فورياً.
يقوم البروتوكول على المبادئ التالية:
- نظام غذائي نباتي صارم: الامتناع التام عن اللحوم والدهون الحيوانية، والتركيز على نظام غذائي غني بالنباتات. يمكن تناول القليل من السمك لاحتوائه على دهون صحية سهلة الهضم.
- الإكثار من الأطعمة النيئة والحامضة: التركيز على السلطات والأطعمة الطازجة (النيئة) التي لم تتعرض للطهي، مع إضافة عناصر حامضية مثل عصير الليمون (الحامض أو السيترون كما يسمى في بعض المناطق) أو الخل الطبيعي (مثل خل التفاح).
- عصير التفاح الحامض: شرب كوبين كبيرين (حوالي 200 مل لكل كوب) من عصير التفاح الطازج يومياً. يتم تحضيره بخلط حبتين من التفاح مع ماء معدني، مع إضافة عصير ليمون أو خل لزيادة حموضته. يرجع الدكتور فايد فعالية التفاح إلى احتوائه على أحماض عضوية مثل حمض الماليك (Malic acid) وحمض الكلوروجينيك (Chlorogenic acid).
- جرعة زيت الزيتون والليمون الأسبوعية: مرة كل 6-7 أيام، في المساء، يتم تناول كوب صغير يحتوي على خليط من نصفه زيت زيتون بكر ونصفه عصير ليمون طازج. بعد شربه، ينصح بالاستلقاء على الجانب الأيمن.
تعليق علمي على البروتوكول:
عند البحث عن أدلة علمية تدعم هذا البروتوكول، نجد أن الصورة معقدة. فكرة “تنظيف المرارة” أو “Gallbladder flush” باستخدام زيت الزيتون والليمون وعصير التفاح شائعة جداً في الطب البديل، لكنها تفتقر إلى الدعم من التجارب السريرية القوية.
- حمض الماليك في التفاح: النظرية تقول إن حمض الماليك يساعد على “تليين” الحصوات. ومع ذلك، لا توجد دراسات بشرية منشورة تثبت أن شرب عصير التفاح يمكن أن يلين أو يذيب حصوات المرارة الموجودة داخل الجسم.
- خليط زيت الزيتون والليمون: يعتقد المؤيدون أن هذا الخليط يحفز المرارة على الانقباض بقوة وطرد الحصوات. تحذر مؤسسات طبية مرموقة مثل Mayo Clinic من أن هذه الطريقة قد تكون خطيرة. الانقباضات القوية يمكن أن تدفع حصوة كبيرة لتستقر في القناة الصفراوية المشتركة (Common bile duct)، مما يسبب انسداداً خطيراً يتطلب تدخلاً طبياً طارئاً. كما أن “الحصوات” الخضراء الطرية التي يبلغ بعض الأشخاص عن خروجها في البراز بعد هذا الإجراء، أظهرت التحاليل الكيميائية أنها ليست حصوات مرارة حقيقية، بل هي كتل متصبنة من زيت الزيتون والأحماض الهضمية.
- النظام الغذائي النباتي: هذا هو الجزء الأكثر دعماً من الناحية العلمية. كما ذكرنا سابقاً، النظام الغذائي الغني بالألياف والدهون الصحية النباتية هو حجر الزاوية في الوقاية من حصوات المرارة.
يتفق العديد من خبراء التغذية، مثل الدكتور مايكل غريغر (Dr. Michael Greger)، مؤسس موقع NutritionFacts.org، على أن النظام الغذائي النباتي الكامل هو استراتيجية فعالة لتقليل خطر الإصابة بحصوات المرارة.
وفي الطب التقليدي، نجد بعض أوجه التشابه. في الأيورفيدا (الطب الهندي التقليدي)، تُستخدم أعشاب مثل الكركم (Turmeric) لتحسين تدفق العصارة الصفراوية، إلى جانب تعديلات غذائية لتقليل الأطعمة الدهنية والثقيلة. وفي الطب الصيني التقليدي (TCM)، يُنظر إلى ركود “تشي” (طاقة الحياة) في الكبد والمرارة كسبب للمشكلة، وتُستخدم الأعشاب وتقنيات مثل الوخز بالإبر لاستعادة التدفق السليم.
الحياة بعد استئصال المرارة
تطرق الدكتور فايد أيضاً إلى وضع الأشخاص الذين خضعوا لعملية استئصال المرارة (Cholecystectomy). بعد الجراحة، يواصل الكبد إنتاج العصارة الصفراوية، لكنها تتقاطر باستمرار إلى الأمعاء الدقيقة بدلاً من تخزينها وتركيزها في المرارة. هذا يعني أن الجسم يفقد قدرته على إفراز كمية كبيرة من العصارة دفعة واحدة استجابةً لوجبة دسمة.
لذلك، ينصح الدكتور فايد هؤلاء الأشخاص بتقليل تناول الدهون بشكل كبير، خاصة في الأشهر الستة الأولى بعد العملية، لأن الجسم لن يتمكن من هضمها بكفاءة.
كما أشار إلى وجود مكملات العصارة الصفراوية (Bile salts أو Ox bile)، والتي يمكن أن تساعد في هضم الدهون. لكنه نبه المسلمين إلى أن مصدرها غالباً ما يكون من الخنزير أو حيوانات غير مذكاة، مما يجعلها غير حلال. بالنسبة لغير المسلمين، قد تكون هذه المكملات خياراً مفيداً.
خلاصة القول: الوقاية خير من العلاج
يقدم طرح الدكتور فايد رؤية شاملة ترتكز على مبدأ أساسي: النظام الغذائي هو المحرك الرئيسي لصحة المرارة. في حين أن البروتوكول العلاجي الذي يقترحه لإذابة الحصوات يظل مثيراً للجدل ويفتقر إلى أدلة علمية قوية، فإن دعوته للعودة إلى نظام غذائي نباتي غني بالألياف والأطعمة الطازجة تتوافق تماماً مع التوصيات العلمية للوقاية من حصوات المرارة.
إن التركيز على اللحوم كغذاء للمناسبات وليس كعنصر يومي، وزيادة استهلاك الخضروات والفواكه، هو رسالة قوية يمكن أن تحمي ليس فقط من حصوات المرارة، بل من مجموعة واسعة من الأمراض المزمنة التي يواجهها عالمنا اليوم.
تنويه: هذا المقال يلخص آراء الخبراء والدراسات المتاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب دائماً استشارة الطبيب المختص قبل اتخاذ أي قرارات تتعلق بصحتك، خاصة في حالات وجود أعراض حادة.