هل يمكن حقًا علاج حصوات المرارة وتجنب الجراحة عبر وسائل طبيعية؟ هذا السؤال يطرحه الملايين حول العالم ممن يعانون من هذه المشكلة الصحية الشائعة. في عالم يميل بشكل متزايد نحو الحلول الطبيعية، تبرز نقاشات حول فعالية الأعشاب والتغييرات الغذائية في مواجهة الحصوات التي تتشكل في هذا العضو الصغير والحاسم.

في مقطع فيديو حديث على منصة يوتيوب، تناول متحدث متخصص في الطب التكميلي هذا الموضوع بالتفصيل، مقدمًا رؤية شاملة حول أسباب تكون حصوات المرارة والبروتوكولات الطبيعية التي قد تساهم في علاجها أو منع تكرارها. يشدد المتحدث على أن فهم السبب الجذري هو الخطوة الأولى والأساسية، فبدون معالجة الأسباب، قد تعود الحصوات للظهور مجددًا حتى بعد التخلص منها، وهي ظاهرة أكثر شيوعًا في حصوات المرارة مقارنة بحصوات الكلى.

الأسباب العميقة وراء تكون حصوات المرارة

لفهم كيفية التعامل مع حصوات المرارة، يجب أولاً تحليل العوامل التي تؤدي إلى تكوينها. وفقًا للمتحدث، هناك عدة أسباب رئيسية يجب الانتباه إليها:

1. جودة وكمية العصارة الصفراوية (Bile)

السبب الأكبر والأكثر مباشرة هو عدم قدرة الجسم على إنتاج عصارة صفراوية ذات جودة وكمية كافية. المرارة هي كيس صغير يقع أسفل الكبد، وظيفته الأساسية هي تخزين وتركيز العصارة الصفراوية التي ينتجها الكبد. هذه العصارة ضرورية لهضم الدهون. عندما تكون هذه العصارة متوازنة في تركيبتها وتتدفق بسلاسة، فإنها تمنع تكون أي ترسبات. ولكن، إذا اختل توازن مكوناتها، خاصة زيادة الكوليسترول ونقص أملاح الصفراء، تبدأ بلورات الكوليسترول في التشكل والتجمع، مكونةً ما يعرف بـ “الرمل” ثم الحصوات.

يدعم العلم هذه الفكرة بقوة. تشير مراجعة علمية منشورة في مجلة “Nature Reviews Gastroenterology & Hepatology” إلى أن فرط تشبع العصارة الصفراوية بالكوليسترول هو العامل الرئيسي في تكوين حصوات الكوليسترول، والتي تمثل حوالي 80% من جميع حالات حصوات المرارة في العالم الغربي. عندما يتجاوز الكوليسترول قدرة أملاح الصفراء والدهون الفوسفورية (Phospholipids) على إذابته، يبدأ في التبلور.

2. اضطراب هرمون الإستروجين

يلعب هرمون الإستروجين دورًا محوريًا في زيادة خطر الإصابة بحصوات المرارة. يوضح المتحدث أن أي خلل يؤدي إلى ارتفاع مستويات الإستروجين في الجسم يضع الشخص، وخاصة النساء، في دائرة الخطر. المصادر الشائعة لهذا الارتفاع تشمل:

  • حبوب منع الحمل الفموية (Oral Contraceptive Pills): التي تحتوي على جرعات من الهرمونات.
  • العلاج الهرموني التعويضي (Hormone Replacement Therapy - HRT): الذي يستخدم غالبًا لتخفيف أعراض انقطاع الطمث.

النصيحة التي يقدمها المتحدث هي أنه إذا كان الشخص يتناول هذه الهرمونات ويعاني من حصوات المرارة، فإن الخطوة الأولى للعلاج يجب أن تكون التوقف عن هذه العلاجات الهرمونية (بعد استشارة الطبيب المختص)، لأن معالجة المرارة مع استمرار وجود المسبب الرئيسي لن تكون فعالة.

الأدلة العلمية: تؤكد العديد من الدراسات هذه العلاقة. دراسة تحليلية واسعة (Meta-analysis) نشرت في “The American Journal of Gastroenterology” خلصت إلى أن استخدام حبوب منع الحمل الفموية والعلاج الهرموني التعويضي يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بأمراض المرارة. يعتقد الباحثون أن الإستروجين يزيد من إفراز الكوليسترول في العصارة الصفراوية ويقلل من حركة المرارة، مما يخلق بيئة مثالية لتكوين الحصوات.

3. التوتر والإجهاد النفسي

قد يبدو الأمر مفاجئًا، لكن التوتر المزمن يمكن أن يكون أحد مسببات حصوات المرارة. الآلية التي يشرحها المتحدث هي كالتالي: التوتر يرفع مستويات هرمون الكورتيزول (Cortisol)، والذي بدوره يرفع مستويات الأنسولين في الجسم. ارتفاع الأنسولين بشكل مزمن يمكن أن يقلل من مخزون العصارة الصفراوية، مما يساهم في تكوين الحصوات.

البحث العلمي: العلاقة بين التوتر المباشر وحصوات المرارة لا تزال قيد البحث، ولكن الأدلة غير المباشرة قوية. يرتبط التوتر المزمن بمتلازمة الأيض (Metabolic Syndrome)، والتي تشمل السمنة ومقاومة الأنسولين، وكلاهما من عوامل الخطر الموثقة جيدًا لحصوات المرارة. دراسة نشرت في مجلة “Psychosomatic Medicine” وجدت ارتباطًا بين أعراض الاكتئاب والتوتر وزيادة خطر استئصال المرارة، مما يشير إلى وجود صلة بين الحالة النفسية وصحة المرارة.

4. سوء الهضم وضعف الأيض

من منظور الطب الهندي التقليدي (الأيورفيدا)، يعتبر الهضم أساس الصحة. يذكر المتحدث أن الأيورفيدا تربط بين ضعف الجهاز الهضمي، والإمساك، وبطء عمليات الأيض، وتكوّن حصوات المرارة. هذا يتوافق مع الفهم الحديث بأن حركة الأمعاء البطيئة والإمساك يمكن أن يؤثرا على دورة العصارة الصفراوية بين الكبد والأمعاء (Enterohepatic Circulation)، مما يزيد من تركيز المواد المكونة للحصوات.

العلاجات الطبيعية المقترحة

بناءً على هذه الأسباب، يقترح المتحدث مجموعة من الحلول الطبيعية التي تركز على تحسين وظائف الكبد والمرارة وتصحيح الخلل المسبب للمشكلة.

1. عشبة “بومي أملكي” (Bhumi Amlaki)

يصف المتحدث هذه العشبة بأنها “محطمة الحصى” أو “كسارة الحصى”، وهو اسم شائع لها في العديد من الثقافات. اسمها العلمي هو Phyllanthus niruri، ويجب تمييزها عن عشبة “الأملج” (Amla) المعروفة. تُعرف هذه العشبة في أمريكا اللاتينية باسم Chanca Piedra، وهو ما يعني “كسارة الحصى” بالإسبانية.

آلية العمل المقترحة:

  • تساعد على تفتيت الحصوات الموجودة في الكلى والمرارة.
  • تحسن تدفق العصارة الصفراوية.
  • تساهم في خفض مستويات الكوليسترول عن طريق تحفيز مستقبلات الكبد لامتصاص المزيد من الكوليسترول الضار (LDL) من الدم.

الأدلة العلمية: عند البحث عن أدلة علمية، نجد أن معظم الدراسات ركزت على تأثير Phyllanthus niruri على حصوات الكلى. مراجعة منهجية نشرت في مجلة “International Braz J Urol” عام 2018 استعرضت العديد من الدراسات ووجدت أن العشبة قد تمنع تكون حصوات أكسالات الكالسيوم في الكلى وتساعد على إخراجها. أما بالنسبة لحصوات المرارة، فالأدلة أقل قوة وتعتمد بشكل كبير على دراسات in vitro (مخبرية) ودراسات على الحيوانات. وجدت دراسة على الفئران نشرت في “Journal of Ethnopharmacology” أن المستخلص المائي للعشبة منع تكون حصوات الكوليسترول في المرارة. ومع ذلك، لا توجد دراسات بشرية واسعة النطاق تؤكد فعاليتها بشكل قاطع لحصوات المرارة، ولكن استخدامها التقليدي في طب الأيورفيدا والطب الشعبي البرازيلي لهذا الغرض موثق جيدًا.

الجرعة المقترحة: نصف ملعقة صغيرة إلى ملعقة صغيرة من مسحوق العشبة، مرتين يوميًا، بعد 30 دقيقة من الوجبات، مع ماء دافئ. يشير المتحدث إلى أن طعمها قد يكون “طينيًا” بعض الشيء، وهذا لا يعني أن جودتها سيئة.

2. خل التفاح وعصير الليمون

يوصي المتحدث بشرب مزيج من ملعقة كبيرة من خل التفاح وملعقة كبيرة من عصير الليمون في كوب من الماء على معدة فارغة في الصباح. يُعتقد أن هذا المزيج يساعد على تحسين الهضم وتحفيز إنتاج العصارة الصفراوية. كبديل، يمكن الاكتفاء بشرب ماء الليمون فقط.

الأدلة العلمية: لا توجد دراسات علمية مباشرة تثبت أن خل التفاح أو الليمون يذيبان حصوات المرارة. ومع ذلك، يحتوي كلاهما على أحماض طبيعية قد تدعم الهضم. حمض الماليك (Malic Acid) الموجود في خل التفاح، وحمض الستريك (Citric Acid) في الليمون، قد يساعدان في دعم وظائف الكبد. يتفق خبراء مثل الدكتور جوش آكس (Josh Axe)، وهو طبيب في الطب الطبيعي، على أن هذه المكونات يمكن أن تدعم صحة المرارة كجزء من نهج شامل.

3. النظام الغذائي ونمط الحياة

يؤكد المتحدث أن النظام الغذائي هو “الدواء الأكبر” في حالة حصوات المرارة.

  • الدهون الصحية: على عكس الاعتقاد الشائع، لا ينصح باتباع نظام غذائي خالٍ تمامًا من الدهون. هذا قد يؤدي إلى ركود العصارة الصفراوية ويزيد المشكلة سوءًا، بالإضافة إلى التسبب في اضطرابات هرمونية. النصيحة هي تجنب الدهون المصنعة والزيوت المهدرجة، مع تناول كميات معتدلة من الدهون الصحية مثل زيت الزيتون البكر وزيت جوز الهند. هذه الدهون تحفز المرارة على الانقباض وإفراغ محتوياتها بانتظام.
  • شرب الماء: الحفاظ على رطوبة الجسم بشرب ما لا يقل عن 3 لترات من الماء يوميًا يساعد على إبقاء العصارة الصفراوية سائلة وأقل تركيزًا.
  • توقيت الوجبات: إنهاء وجبة العشاء بحلول الساعة 7 مساءً يعطي الجهاز الهضمي فترة راحة طويلة خلال الليل، مما يحسن عمليات الإصلاح والتخلص من السموم في الكبد.
  • التمارين الرياضية: الحركة والنشاط البدني بانتظام يحسنان عمليات الأيض ويساعدان في الحفاظ على وزن صحي، وهو أمر حاسم للوقاية من حصوات المرارة.

الأعراض والبروتوكول المقترح

يذكر المتحدث أن أعراض حصوات المرارة مثل الغازات، والانتفاخ، والألم في منطقة الكبد، والألم المنعكس في الكتف الأيمن أو لوح الكتف، قد تبدأ في التحسن في غضون يومين أو ثلاثة أيام من اتباع هذه التوصيات.

يقترح بروتوكولًا واضحًا:

  1. جرب هذه العلاجات لمدة 60 يومًا (شهرين).
  2. بعد شهرين، قم بإجراء فحص بالموجات فوق الصوتية (Ultrasound) وقارن النتائج مع الفحص السابق.
  3. إذا كان هناك تحسن، يمكن الاستمرار في هذا النهج لمدة تصل إلى عام.
  4. إذا لم يكن هناك أي تغيير، فهذا يعني أن هذا النهج لم يعمل، ويجب البحث عن خيارات أخرى.

متى يجب استشارة الطبيب؟

يختتم المتحدث بنصيحة حاسمة ومسؤولة: إذا كانت المرارة ممتلئة بالحصوات الكبيرة، أو إذا كانت الأعراض شديدة، فإن استشارة الطبيب واتباع توصياته هو الخيار الأمثل. هذه العلاجات الطبيعية تكون أكثر ملاءمة للحالات التي تحتوي على “رمل” أو حصوات صغيرة.

يتفق العديد من خبراء الطب التكاملي، مثل الدكتور أندرو ويل (Andrew Weil)، على أن النهج الأفضل هو الذي يجمع بين الحكمة التقليدية والأدلة العلمية الحديثة، مع إعطاء الأولوية دائمًا للتشخيص الطبي الدقيق والإشراف المهني.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء خبراء ودراسات متاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب دائمًا استشارة الطبيب قبل البدء في أي علاج.