هل يمكن أن يكون الخوف السائد من الكوليسترول مبنيًا على سوء فهم عميق؟ ماذا لو كانت الأدوية التي يتناولها الملايين لخفضه تحمل في طياتها ضررًا خفيًا يفوق نفعها؟ هذه الأسئلة الجريئة قد تغير نظرتك بالكامل لصحة القلب والأوعية الدموية، وتكشف أن العدو الحقيقي قد يكون شيئًا آخر تمامًا نتجاهله في تحاليل الدم الروتينية.

في حلقة حديثة له على يوتيوب، تناول الدكتور كريم علي، مقدم برنامج “فكر تاني”، موضوع الكوليسترول من زاوية مختلفة، متحديًا المفاهيم التقليدية التي تربطه مباشرة بأمراض القلب. يطرح الدكتور علي فكرة أن الجسم ينتج الكوليسترول بكميات كبيرة يوميًا لأسباب حيوية، وأن التركيز على خفضه بشكل عشوائي قد يحرم الجسم من مكون أساسي لصحته، بينما يترك المشكلة الحقيقية دون علاج.

الكوليسترول: مصنع داخلي وليس مجرد طعام

خلافًا للاعتقاد الشائع، يؤكد الدكتور علي أن معظم الكوليسترول في الدم لا يأتي من الطعام الذي نتناوله، بل يتم تصنيعه داخليًا في الكبد. يوضح أن الجسم ينتج يوميًا ما بين 2 إلى 3 جرامات (3000 ملليجرام) من الكوليسترول، وهي كمية ضخمة مقارنة بما نحصل عليه من الغذاء. هذا الإنتاج ليس عبثيًا؛ فالكوليسترول مادة حيوية تدخل في تكوين أغشية كل خلية في الجسم، وتُستخدم لإنتاج الهرمونات الحيوية مثل التستوستيرون والإستروجين، وفيتامين د، والأحماض الصفراوية اللازمة لهضم الدهون. بل إنه يلعب دورًا في تقليل الالتهابات ودعم وظائف الدماغ والأعصاب.

عند البحث العلمي، تدعم الأدبيات هذه الفكرة. تشير مراجعة نشرت في مجلة Nutrients عام 2018 بعنوان “The Effect of Dietary Cholesterol on Cardiovascular Disease in Adults: A Systematic Review” إلى أن الكوليسترول الغذائي له تأثير ضئيل على مستويات الكوليسترول في الدم لدى معظم الناس، مما دفع العديد من الإرشادات الغذائية الحديثة، مثل الإرشادات الغذائية للأمريكيين، إلى إزالة الحد الأقصى لتناول الكوليسترول اليومي.

فك شفرة تحليل الدهون: من هو العدو الحقيقي؟

عندما ننظر إلى تحليل الدهون (Lipid Profile)، نجد عدة أرقام: الكوليسترول الكلي (Total Cholesterol)، الكوليسترول “الجيد” (HDL)، والكوليسترول “الضار” (LDL). يرى الدكتور علي أن التركيز على الكوليسترول الكلي هو خطأ شائع. الأهم هو فهم دور كل مكون:

  1. HDL (High-Density Lipoprotein - البروتين الدهني عالي الكثافة): يُعرف بالكوليسترول “الجيد”، لكنه في الحقيقة ليس كوليسترولًا، بل هو “سيارة أجرة” أو ناقل. وظيفته هي جمع الكوليسترول الفائض وغير المستخدم من أنحاء الجسم وإعادته إلى الكبد لإعادة تدويره أو التخلص منه. ارتفاع مستويات HDL يعتبر مؤشرًا صحيًا ممتازًا، لأنه يعني أن الجسم ينظف نفسه بكفاءة.

  2. LDL (Low-Density Lipoprotein - البروتين الدهني منخفض الكثافة): يُعرف بالكوليسترول “الضار”، وهو أيضًا “سيارة أجرة” أخرى. وظيفته هي نقل الكوليسترول المصنّع في الكبد وتوزيعه على خلايا الجسم التي تحتاجه لأداء وظائفها الحيوية. المشكلة لا تكمن في الـ LDL بحد ذاته، بل في الظروف التي تجعله ضارًا.

  3. الدهون الثلاثية (Triglycerides) و VLDL: هنا يكمن الخطر الحقيقي حسب رأي الدكتور علي. VLDL (Very Low-Density Lipoprotein) هو نوع آخر من الناقلات، لكنه يحمل كمية أكبر من الدهون الثلاثية مقارنة بالكوليسترول. عندما ترتفع مستويات السكر والكربوهيدرات في النظام الغذائي، يقوم الكبد بتحويل هذا الفائض إلى دهون ثلاثية ويحملها على متن VLDL لإرسالها إلى الخلايا الدهنية للتخزين. ارتفاع الدهون الثلاثية و VLDL هو المؤشر الأكثر دقة على خطر الإصابة بتصلب الشرايين والجلطات، لأنه يعكس وجود فائض من الطاقة التي يتم تخزينها كدهون.

يتفق العديد من الخبراء، مثل الدكتور بيتر عطية (Dr. Peter Attia)، على أن عدد جزيئات LDL (LDL-P) وحجمها، بالإضافة إلى مستويات الدهون الثلاثية، هي مؤشرات خطر أهم بكثير من مجرد مستوى الكوليسترول LDL الكلي.

الخطر الخفي لأدوية الستاتين (Statins)

عندما يرتفع الكوليسترول، الحل الطبي الشائع هو وصف أدوية الستاتين. تعمل هذه الأدوية عن طريق تثبيط إنزيم رئيسي في الكبد يسمى HMG-CoA reductase، وهو الإنزيم المسؤول عن إنتاج الكوليسترول. وبذلك، ينخفض إنتاج الكوليسترول في الجسم.

لكن هنا تكمن المشكلة الكبرى التي يسلط الدكتور علي الضوء عليها: نفس هذا الإنزيم الذي ينتج الكوليسترول، مسؤول أيضًا عن إنتاج مادة حيوية أخرى تُعرف باسم الإنزيم المساعد Q10 (Coenzyme Q10).

ما هو الإنزيم المساعد Q10 وما أهميته؟ الـ CoQ10 هو مركب أساسي لإنتاج الطاقة داخل كل خلية في الجسم، وتحديدًا في الميتوكوندρια (مصانع الطاقة). إنه بمثابة “شمعة الإشعال” التي تبدأ عملية توليد الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، فهو أحد أقوى مضادات الأكسدة التي ينتجها الجسم. نقصه يؤدي إلى:

  • ضعف عضلة القلب: القلب هو العضو الأكثر استهلاكًا للطاقة، ونقص CoQ10 يجعله عرضة للضعف وفشل القلب.
  • آلام العضلات: وهو أحد الآثار الجانبية الشائعة للستاتينات.
  • تسارع الشيخوخة: بسبب انخفاض إنتاج الطاقة وزيادة الإجهاد التأكسدي.
  • انخفاض الخصوبة لدى الرجال والنساء.
  • زيادة خطر الإصابة بالجلطات وارتفاع ضغط الدم.

عند البحث، نجد أن هذه المخاوف مدعومة علميًا. دراسة تلو الأخرى أكدت أن الستاتينات تخفض مستويات CoQ10 في الجسم. مراجعة منهجية وتحليل تجميعي نشر في Journal of the American Heart Association عام 2018 بعنوان “The Effect of Statin Therapy on Coenzyme Q10 Concentrations” خلص إلى أن استخدام الستاتين يؤدي إلى انخفاض كبير في مستويات CoQ10. ولهذا السبب، يوصي العديد من الأطباء، مثل الدكتور ستيفن سيناترا (Dr. Stephen Sinatra)، بضرورة تناول مكملات CoQ10 مع أي علاج بالستاتين.

الحل الطبيعي والشامل: خطة من 4 خطوات

بدلًا من التركيز على خفض رقم الكوليسترول بشكل مصطنع، يقترح الدكتور علي خطة شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة، والتي تتمحور حول خفض الدهون الثلاثية والالتهابات:

الخطوة الأولى: الحركة والنشاط البدني المشي لمدة 20-30 دقيقة يوميًا، خاصة قبل النوم، يساعد الجسم على حرق الدهون الثلاثية الزائدة كمصدر للطاقة بدلًا من تخزينها.

الخطوة الثانية: فقدان الوزن الزائد إنقاص 5-10% فقط من وزن الجسم يمكن أن يخفض بشكل كبير مستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول الضار.

الخطوة الثالثة: تعديل النظام الغذائي

  • الامتناع التام عن السكريات: السكر هو المصدر الرئيسي للدهون الثلاثية في الجسم. يشمل ذلك السكر الأبيض، المشروبات الغازية، الحلويات، والمعجنات.
  • تجنب الزيوت المهدرجة والنباتية المصنعة: زيوت الذرة، دوار الشمس، والكانولا تسبب التهابات وتزيد من أكسدة الكوليسترول.
  • إضافة الدهون الصحية: زيت الزيتون البكر، بذور الكتان (تُعرف في بعض البلدان بزر الكتان)، بذور الشيا، المكسرات، والأسماك الدهنية كالسلمون غنية بدهون صحية ترفع الكوليسترول الجيد (HDL) وتخفض الالتهابات.
  • زيادة الألياف: الألياف القابلة للذوبان، مثل الموجودة في قشور السيليوم (Psyllium Husk) التي تُعرف أيضًا باسم لسان الحمل أو عشبة البراغيث، وبذور الكتان، تعمل كإسفنجة في الأمعاء. ترتبط بالكوليسترول والأحماض الصفراوية وتمنع إعادة امتصاصها، مما يجبر الكبد على سحب المزيد من الكوليسترول من الدم لإنتاج أحماض صفراوية جديدة، وبالتالي ينخفض مستوى LDL بشكل طبيعي.

الخطوة الرابعة: إدارة التوتر التوتر المزمن يرفع هرمون الكورتيزول والأدرينالين، مما يحفز الكبد على إنتاج المزيد من الكوليسترول. تقنيات الاسترخاء والتأمل والنوم الجيد ضرورية لتنظيم مستويات الكوليسترول.

الحماية من الأكسدة: السر الذهبي

يشير الدكتور علي إلى أن الكوليسترول بحد ذاته ليس المشكلة، بل الكوليسترول المؤكسد. الأكسدة هي عملية كيميائية تسببها “الجذور الحرة” (Free Radicals)، وهي جزيئات غير مستقرة تهاجم الخلايا وتسبب الالتهاب والشيخوخة. عندما يتأكسد الكوليسترول LDL، يصبح قادرًا على اختراق جدران الشرايين وتكوين اللويحات (Plaques) التي تسبب التصلب.

لحسن الحظ، خلق الله للكوليسترول طبقتي حماية طبيعيتين:

  1. فيتامين E: مضاد أكسدة قوي يذوب في الدهون ويحيط بجزيئات الكوليسترول ليحميها من هجوم الجذور الحرة.
  2. الإنزيم المساعد Q10: الطبقة الثانية من الحماية ومضاد أكسدة فعال.

عندما نتناول أدوية الستاتين، فإننا نزيل طبقة الحماية الثانية (CoQ10). وإذا كان نظامنا الغذائي فقيرًا بالدهون الصحية، فإننا نفتقر إلى طبقة الحماية الأولى (فيتامين E)، مما يترك الكوليسترول عاريًا وعرضة للأكسدة.

وهنا يأتي دور فيتامين C، الذي يلعب دورًا غير متوقع. وظيفته الرئيسية ليست محاربة الجذور الحرة مباشرة، بل إعادة شحن فيتامين E. بعد أن يتبرع فيتامين E بإلكترون لإبطال مفعول جذر حر، يصبح هو نفسه غير فعال. يأتي فيتامين C ويعيد الإلكترون المفقود لفيتامين E، ليعود قويًا ونشطًا من جديد. هذا التعاون بين فيتامين C و E يوفر حماية فائقة ضد أكسدة الكوليسترول.

مكملات طبيعية واعدة

إلى جانب نمط الحياة الصحي، ذكر الدكتور علي بعض المكملات التي قد تساعد:

  • أوميغا 3: فعال جدًا في خفض الدهون الثلاثية ورفع الكوليسترول الجيد HDL.
  • فيتامين B3 (النياسين): يساعد في تحسين جميع جوانب تحليل الدهون، لكن يجب استخدامه تحت إشراف طبي بسبب آثاره الجانبية المحتملة (مثل الهبات الساخنة).
  • خميرة الأرز الحمراء (Red Rice Yeast): هذا المكمل له تاريخ طويل في الطب الصيني التقليدي. يحتوي على مركب طبيعي يسمى موناكولين ك (Monacolin K)، والذي له نفس بنية و آلية عمل دواء اللوفاستاتين (أحد أدوية الستاتين). لذلك، فهو فعال في خفض الكوليسترول.
    • بحث علمي: أظهرت العديد من الدراسات، بما في ذلك مراجعة نشرت في World Journal of Cardiology، أن خميرة الأرز الحمراء يمكن أن تخفض الكوليسترول الضار LDL بنسبة تصل إلى 20-25%.
    • شروط هامة:
      1. خالية من السيترينين (Citrinin-free): السيترينين مادة سامة للكلى يمكن أن تنتج أثناء عملية التخمير. يجب اختيار منتج موثوق يضمن خلوه من هذه المادة.
      2. معززة بـ L-Carnitine: هذا الحمض الأميني يساعد في نقل الدهون إلى الميتوكوندريا لحرقها كطاقة، مما يعزز فعالية خميرة الأرز الحمراء في خفض الدهون الثلاثية.

الخلاصة هي أن فهم آلية عمل الجسم والتركيز على الأسباب الجذرية — مثل الالتهاب، الأكسدة، وارتفاع الدهون الثلاثية الناتج عن السكر — هو الطريق الأكثر أمانًا وفعالية لصحة القلب، بدلاً من مطاردة رقم الكوليسترول بشكل أعمى بأدوية قد تحمل أضرارًا جانبية خطيرة.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء الخبراء والدراسات المتاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب دائمًا استشارة الطبيب قبل إجراء أي تغييرات على نظامك الصحي أو العلاجي.