قد يبدو مرض باركنسون (الشلل الرعاش) حكماً نهائياً، لكن ماذا لو كانت مواجهته تبدأ من المطبخ؟ في عالم يتزايد فيه انتشار الأمراض العصبية التنكسية، يظهر نمط العيش كعامل حاسم قد يغير مسار المرض. في حديث له على يوتيوب، طرح الدكتور محمد فايد، الخبير في التغذية وعلوم الأغذية، رؤية شاملة حول كيفية تأثير النظام الغذائي والسموم البيئية على مرض باركنسون، مقدماً استراتيجية طبيعية قد تساعد المصابين على تحسين جودة حياتهم. يرتكز طرحه على فكرة أن تجنب المسببات الكيميائية وتبني نظام غذائي محدد يمكن أن يحدث فرقاً ملموساً.

باركنسون: لم يعد مرضاً للمسنين فقط

أشار الدكتور فايد إلى حقيقة مقلقة، وهي أن مرض باركنسون، الذي كان يُعرف تاريخياً بأنه يصيب كبار السن فوق الستين والسبعين عاماً، أصبح يظهر بشكل متزايد لدى فئات عمرية أصغر، حتى في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر. ويربط الخبير هذا التحول مباشرة بارتفاع مؤشر التلوث البيئي. فكلما زادت الملوثات في محيطنا، زادت الأمراض المزمنة وانتشرت بين فئات عمرية لم تكن معتادة على الإصابة بها، مثلما يحدث مع أمراض السرطان التي باتت تصيب الأطفال.

المسببات الكيميائية: لائحة الاتهام

حدد الدكتور فايد مجموعة من العوامل الكيميائية التي يعتبرها المتهم الرئيسي في التسبب بمرض باركنسون وغيره من الأمراض العصبية مثل الزهايمر والتصلب اللويحي.

  1. المبيدات (Pesticides): وضعها على رأس القائمة، مشيراً إلى أن جميع أنواع المبيدات تشكل خطراً، لكنه خص بالذكر مبيدات الحشرات المنزلية باعتبارها الأكثر خطورة نظراً للتعرض المباشر والمستمر لها. هذا الرأي تدعمه العديد من الأبحاث العلمية. على سبيل المثال، وجدت دراسة تلوية (Meta-analysis) واسعة نُشرت في مجلة Neurology أن التعرض للمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب والمذيبات يزيد من خطر الإصابة بمرض باركنسون بشكل كبير. رابط الدراسة.

  2. المعادن الثقيلة (Heavy Metals): تأتي في المرتبة الثانية، وذكر لائحة من المعادن الخطرة التي ترتبط بالمرض، وعلى رأسها المنغنيز (Manganese) والرصاص (Lead)، بالإضافة إلى الزئبق (Mercury)، والزرنيخ (Arsenic)، والكادميوم (Cadmium)، والألمنيوم (Aluminum). البحث العلمي يدعم هذا الارتباط بقوة؛ فقد أظهرت مراجعة علمية (Review) منشورة في Journal of Environmental Science and Health أن التعرض المزمن للمعادن الثقيلة مثل الرصاص والمنغنيز يمكن أن يؤدي إلى تلف عصبي يساهم في تطور أعراض شبيهة بباركنسون. رابط المراجعة.

  3. الكيماويات الأخرى: شملت هذه الفئة المضافات الغذائية مثل الغلوتامات أحادية الصوديوم (MSG) أو “الملح الصيني”، والمحليات الصناعية مثل الأسبارتام (Aspartame)، والدهون المتحولة (Trans Fats) الموجودة في الزيوت المهدرجة والمكررة.

بناءً على هذه المسببات، كانت النصيحة الأولى والأكثر إلحاحاً من الدكتور فايد للمصابين بباركنسون هي التوقف التام عن استهلاك جميع المواد المصنعة والمعلبة. هذه المنتجات، حسب رأيه، هي عبارة عن خليط من المخاطر المحتملة، فهي معبأة في بلاستيك أو ألمنيوم، ومصنّعة بزيوت مهدرجة، وتحتوي على محليات ومواد حافظة ومنكهات قد يصل عددها إلى 17 مضافاً في المنتج الواحد. كما شدد على ضرورة تجنب المقليات لاحتوائها على مركبات ضارة مثل الأكريلاميد والدهون المتحولة.

النظام الغذائي العلاجي: العودة إلى الطبيعة

بعد استبعاد السموم، يطرح الدكتور فايد نظاماً غذائياً يصفه بأنه “إجباري” للمصابين بباركنسون، وهو نظام نباتي مع إضافة السمك. وقد لاحظ الباحثون، كما ذكر، أن الأمراض العصبية أقل انتشاراً بين النباتيين، مما يشير إلى أن النظام الغذائي الغني باللحوم والسكر والدهون الصناعية قد يزيد من خطر الإصابة.

الأطعمة الثلاثة الأساسية

ركز الدكتور فايد على ثلاثة مكونات غذائية اعتبرها حجر الزاوية في النظام الغذائي لمريض باركنسون:

  1. الفول (Fava Beans): يُعرف الفول (ويسمى في بعض المناطق “فول مدمس” في مصر والشام) بأنه المصدر الطبيعي الأغنى بمركب “ليفودوبا” (L-Dopa)، وهو نفس المركب الكيميائي الذي يُستخدم في الدواء الأساسي لعلاج باركنسون.
    • الدليل العلمي: أكدت دراسة منشورة في Journal of Neurology, Neurosurgery & Psychiatry أن تناول الفول يمكن أن يحسن الأعراض الحركية لدى مرضى باركنسون بشكل ملحوظ، مما يجعله علاجاً تكميلياً واعداً. رابط الدراسة.
    • نقطة هامة: نبه الدكتور فايد إلى أن المرضى الذين يتناولون دواء ليفودوبا قد يشعرون بانزعاج أو اضطراب عند تناول كميات كبيرة من الفول، لأن ذلك يرفع تركيز المركب في الجسم بشكل حاد. لذا، نصح باستشارة الطبيب المعالج للنظر في إمكانية تخفيض جرعة الدواء عند إدراج الفول (مثل طبق “البصارة” المغربي) في النظام اليومي.
  2. السمك (Fish): وصفه بأنه “إجباري” لاحتوائه على حمض الأوميجا 3 (Omega-3)، وهو حمض دهني أساسي لصحة الدماغ. وأشار إلى أن الأسماك الكبيرة تحتوي على تركيز أعلى من هذا الحمض.
    • الدليل العلمي: تدعم الأبحاث بقوة دور الأوميجا 3 في حماية الأعصاب. مراجعة علمية نُشرت في مجلة Nutrients خلصت إلى أن الأوميجا 3 يمتلك خصائص مضادة للالتهابات ومضادة للأكسدة قد تساعد في إبطاء تقدم الأمراض العصبية التنكسية مثل باركنسون. رابط المراجعة. يتفق معه خبراء آخرون مثل الدكتور ديل بريديسن، الذي يوصي بنظام غذائي غني بالأوميجا 3 كجزء من بروتوكوله لعلاج التدهور المعرفي.
  3. الجوز (Walnuts): يُعرف في المغرب بـ”الكركاع” وفي مصر والشام بـ”عين الجمل”. يتميز الجوز بشكله الذي يشبه الدماغ، وهو غني بالأوميجا 3 ومضادات الأكسدة. نصح الدكتور فايد بتناول ما بين 5 إلى 10 حبات يومياً.
    • الدليل العلمي: أظهرت دراسة على الحيوانات نُشرت في Journal of Alzheimer’s Disease أن اتباع نظام غذائي غني بالجوز يحسن الذاكرة والتعلم والوظائف الحركية، مما يشير إلى دوره المحتمل في الوقاية من الأمراض العصبية. رابط الدراسة.

إلى جانب هذه الأطعمة، أوصى الدكتور فايد بالطبخ بزيت الزيتون، وتناول جميع أنواع الخضر والفواكه والبقوليات، مع تفضيل الشعير والزؤان (Canary Grass) كمصادر للنشويات.

المكملات الغذائية: ثلاثي “إيقاف” المرض

قدم الدكتور فايد ادعاءً قوياً بأن ثلاثة مكملات غذائية يمكنها “إيقاف” مرض باركنسون. ورغم قوة الادعاء، فإن هذه المواد معروفة بخصائصها الداعمة للصحة.

  1. غذاء الملكات (Royal Jelly): مادة هلامية ينتجها النحل، معروفة بخصائصها المغذية والمضادة للالتهابات.
    • الدليل العلمي: أظهرت دراسة مخبرية (In vitro) نُشرت في PLoS One أن غذاء الملكات يحمي الخلايا العصبية من الإجهاد التأكسدي، وهو آلية رئيسية في موت الخلايا العصبية في مرض باركنسون. رابط الدراسة.
  2. البروبوليس أو العكبر (Propolis): مادة صمغية يجمعها النحل من الأشجار، وتُعرف بخصائصها القوية المضادة للأكسدة والمضادة للميكروبات.
    • الدليل العلمي: مراجعة علمية شاملة في مجلة Oxidative Medicine and Cellular Longevity سلطت الضوء على التأثيرات الوقائية العصبية للبروبوليس، مشيرة إلى قدرته على مكافحة الالتهاب والإجهاد التأكسدي في الدماغ. رابط المراجعة.
  3. حمض الأوميجا 3 (Omega-3): كما ذُكر سابقاً، هو ضروري لصحة الدماغ.

هذه المكملات معروفة في الطب التقليدي، مثل الطب الصيني التقليدي (TCM) والأيورفيدا، بقدرتها على تعزيز “قوة الحياة” (Qi أو Prana) وتجديد شباب الجسم.

علاجات تكميلية أخرى

لم يغفل الدكتور فايد أهمية بعض الممارسات الأخرى:

  • الحجامة (Cupping Therapy): نصح بها مرتين في السنة للمساعدة في تخليص الجسم من المعادن الثقيلة. وشدد بلهجة حاسمة على ضرورة إجرائها والشخص في وضعية الجلوس وليس الاستلقاء، معتبراً أن الحجامة أثناء الاستلقاء لا فائدة منها. كما انتقد ربطها بالدين بشكل حصري، موضحاً أنها ممارسة علاجية قديمة عرفتها البشرية قبل الإسلام، وهي جزء من الطب التقليدي في العديد من الثقافات، بما في ذلك الطب الصيني التقليدي. لا توجد دراسات علمية قوية تثبت قدرة الحجامة على إزالة المعادن الثقيلة، ولكنها تستخدم على نطاق واسع لتخفيف الألم وتحسين الدورة الدموية.

  • النشاط البدني: أكد على أهمية المشي أو الترويض الطبي (العلاج الطبيعي) للحفاظ على قوة العضلات وتجنب تدهورها.

  • أعشاب وعقاقير أخرى: ذكر أيضاً فوائد بعض المواد الطبيعية الأخرى مثل لبان الذكر (Frankincense) للذاكرة، والصمغ العربي، والقسط الهندي، والجنسنج.

خلاصة واستنتاجات

يقدم الدكتور فايد خريطة طريق شاملة لمواجهة مرض باركنسون ترتكز على مبدأين أساسيين: التنظيف والحماية. أولاً، تنظيف الجسم من خلال تجنب السموم البيئية والغذائية المتمثلة في المبيدات والمعادن الثقيلة والأغذية المصنعة. ثانياً، حماية الجهاز العصبي وتغذيته من خلال نظام غذائي طبيعي غني بمضادات الأكسدة والأحماض الدهنية الأساسية، مع التركيز على الفول والسمك والجوز، ودعم هذا النظام بمكملات قوية مثل منتجات النحل والأوميجا 3.

رغم أن بعض ادعاءاته، مثل “إيقاف” المرض، قد تكون قوية، إلا أن توصياته تتوافق إلى حد كبير مع الاتجاهات الحديثة في الطب الوظيفي والطب التكاملي، التي تؤكد على أن نمط الحياة والغذاء هما حجر الزاوية في إدارة الأمراض المزمنة والوقاية منها.


تنويه: هذا المقال يلخص آراء خبير ودراسات متاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب دائماً استشارة الطبيب قبل إجراء أي تغييرات جوهرية في النظام الغذائي أو العلاجي.