هل يمكن أن يكون أسلوب التعامل مع السرطان أكثر خطورة من المرض نفسه؟ في عالم يتسارع فيه تدفق المعلومات، يجد مرضى السرطان أنفسهم في خضم معركة مزدوجة: واحدة ضد المرض، وأخرى ضد التضليل والخوف والقرارات المتسرعة. في فيديو حديث له على منصة يوتيوب، يقدم الدكتور محمد فايد، الخبير في علم التغذية، رؤية نقدية عميقة للأخطاء الشائعة التي يقع فيها المرضى، والتي قد تعرقل رحلة الشفاء أو حتى تؤدي إلى نتائج عكسية. يطرح فايد فكرة جوهرية مفادها أن الشفاء لا يكمن فقط في العلاجات الطبية، بل في منظومة متكاملة تبدأ من الحالة النفسية للمريض وتنتهي بنمط عيشه اليومي.
الخطأ الأول والأخطر: صدمة التشخيص والاندفاع نحو العلاج
“عندما يُشخَّص السرطان، ينهار عالم المريض”. بهذه الكلمات يصف الدكتور فايد الحالة الأولية التي تصيب معظم المرضى. الخوف، الفزع، والارتباك هي المشاعر الطاغية التي تدفع الشخص إلى حالة من الاستعجال غير المبرر. يصبح السؤال الملح هو: “متى الجراحة؟ متى تبدأ جلسات العلاج الكيميائي (Chemotherapy)؟”. هذا الاندفاع، بحسب فايد، هو أخطر خطأ يمكن ارتكابه.
الحالة النفسية المضطربة لا تؤثر فقط على جودة حياة المريض، بل لها تأثيرات بيولوجية مباشرة. عند البحث عن أدلة علمية تدعم هذا الطرح، نجد أن العلم الحديث يؤكد بقوة على هذه العلاقة. الإجهاد النفسي المزمن يؤدي إلى إفراز هرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين، والتي يمكن أن تضعف جهاز المناعة وتخلق بيئة التهابية في الجسم تعزز نمو الأورام وانتشارها. دراسة مراجعة (Review) نُشرت في مجلة Nature Reviews Cancer بعنوان “Stress and cancer: mechanisms, experimental models and clinical relevance”، توضح بالتفصيل كيف يمكن للإجهاد النفسي أن يؤثر على مسارات بيولوجية متعددة مرتبطة بالسرطان، بما في ذلك تلف الحمض النووي (DNA) وتكوين أوعية دموية جديدة تغذي الورم.
يؤكد فايد أن هذا التسرع يجعل المريض يغفل عن العلاج الحقيقي والأهم: مراجعة وتغيير نمط حياته. فبدلاً من استغلال الفترة التي تلي التشخيص لتهيئة الجسم وتقوية المناعة، يتم إلقاء كل الثقل على العلاجات القوية، بينما يستمر المريض في ممارسة نفس العادات التي ربما ساهمت في ظهور المرض من الأساس.
الانقسام إلى فريقين: مقاربات متطرفة ونتائج محبطة
يرصد الدكتور فايد انقسام المرضى إلى فئتين رئيسيتين، كلتاهما تتبنى نهجًا متطرفًا يؤدي في كثير من الأحيان إلى الفشل:
1. الفريق الأول: المؤمن المطلق بالعلاجات الحديثة فقط
هذه الفئة من المرضى تضع كل ثقتها في الطب الحديث: الجراحة، العلاج الكيميائي، والعلاج الإشعاعي (Radiotherapy). يرفضون أي حديث عن دور التغذية أو نمط الحياة، معتبرين إياه كلامًا غير علمي. المشكلة، كما يوضح فايد، أن هؤلاء المرضى يستمرون في تناول المسرطنات (Carcinogens) يوميًا دون وعي. إنهم يحاولون إطفاء حريق بينما يواصلون صب الزيت عليه.
النتيجة الحتمية، بحسب رأيه، هي تدهور سريع في الصحة. العلاجات الكيميائية والإشعاعية، رغم فعاليتها في قتل الخلايا السرطانية، إلا أنها تنهك الجسم وتدمر جهاز المناعة. وعندما يكون الجسم مثقلاً بالسموم الغذائية ونمط الحياة السيئ، فإنه لا يقوى على تحمل هذه العلاجات. يصف فايد مصير هذه الفئة بأنه “تخريب للحياة بنسبة 99.99%”، حيث يصل المريض إلى مرحلة متأخرة من الإرهاق وفقدان الوزن والشهية، وحينها فقط يبدأ بالسؤال عن العلاجات الطبيعية والمكملات، ولكن بعد فوات الأوان.
2. الفريق الثاني: الرافض المطلق للعلاجات الحديثة
على النقيض تمامًا، هناك فئة تخاف من العلاجات الحديثة وتأثيراتها الجانبية، فتقرر رفضها بالكامل والاعتماد حصرًا على العلاجات الطبيعية. يرى فايد أن هذا القرار، على الرغم من أنه قد ينبع من وعي بمخاطر العلاجات التقليدية، إلا أنه محفوف بالمخاطر إذا لم يكن صاحبه مسلحًا بالمعرفة والانضباط الصارم.
الخطأ الذي يقع فيه هذا الفريق هو عدم تطبيق البروتوكول الطبيعي بشكل صحيح، أو التهاون فيه، مع عدم وجود مراقبة طبية دقيقة. إذا استمر الورم في النمو، يجد المريض نفسه مضطرًا للعودة إلى الجراحة والعلاجات الحديثة في مرحلة قد تكون أكثر تقدمًا، بعد أن يكون قد أضاع وقتًا ثمينًا.
الطريق الثالث: النهج التكاملي الذكي للتعامل مع السرطان
الحل الذي يقترحه الدكتور فايد ليس رفضًا لأي من النهجين، بل هو دمج ذكي بينهما، وهو ما يُعرف اليوم في الأوساط الطبية المتقدمة باسم “الطب التكاملي للسرطان” (Integrative Oncology). هذا النهج يضع المريض في مركز التحكم، مسلحًا بالمعرفة والوعي.
الخطوات الأساسية لهذا النهج هي:
- التوقف الفوري عن المسرطنات: هذه هي القاعدة الذهبية التي لا نقاش فيها. قبل البدء بأي علاج، يجب تنظيف البيئة الداخلية للجسم. يشمل ذلك التوقف عن الأطعمة المصنعة، السكريات المكررة، الزيوت المهدرجة، اللحوم المصنعة (التي تصنفها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان IARC كـ “مسرطن من المجموعة 1”)، والمشروبات الغازية.
- تبني نمط حياة صحي: يشمل ذلك نظامًا غذائيًا غنيًا بالخضروات والفواكه والحبوب الكاملة، وممارسة الرياضة بانتظام، والنوم الكافي، وإدارة التوتر النفسي.
- المراقبة الطبية الدقيقة: بدلاً من الاندفاع، يجب استخدام الوقت لتقييم الحالة بدقة: معرفة نوع السرطان، مرحلته، موقعه، والحالة الصحية العامة للمريض (مستويات فيتامين د، الحديد، وجود أمراض مزمنة أخرى مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم).
- استخدام العلاجات الحديثة بذكاء:
- الجراحة: يمكن أن تكون حلاً ممتازًا لاستئصال الورم، خاصة إذا كان ينمو بسرعة. لكن فايد ينتقد ممارسة استئصال العضو بالكامل (مثل استئصال الثدي) كخيار أسهل للطبيب، ويدعو إلى محاولة استئصال الورم فقط كلما أمكن، مع الحفاظ على العضو.
- العلاج الكيميائي والإشعاعي: يشدد على حق المريض في قبول أو رفض هذه العلاجات بعد فهم كامل لفوائدها ومخاطرها. لا ينبغي إرغام المريض عليها.
هذا المفهوم التكاملي ليس رأيًا معزولاً. خبراء عالميون مثل الدكتور ديفيد سيرفان شرايبر في كتابه الشهير “ضد السرطان: طريقة جديدة للحياة” (Anticancer: A New Way of Life)، والدكتور فالتر لونغو بأبحاثه حول الصيام المتقطع وتأثيره على فعالية العلاج الكيميائي، يؤكدون جميعًا على أن محاربة السرطان تتطلب استراتيجية متعددة الجبهات.
السرطان مرض جهازي: رؤية تتجاوز الورم
من النقاط الهامة التي يركز عليها فايد هي أن السرطان ليس مجرد ورم موضعي، بل هو مرض يصيب الجسم كله (Systemic Disease). الورم هو مجرد عرض لخلل أعمق في بيئة الجسم الداخلية. هذه النظرة تتوافق بشكل مدهش مع فلسفة أنظمة الطب التقليدية القديمة.
- في الطب الصيني التقليدي (TCM)، يُنظر إلى المرض على أنه نتيجة لركود أو انسداد في طاقة الحياة “تشي” (Qi). العلاج لا يركز فقط على العضو المصاب، بل على إعادة التوازن للجسم بأكمله.
- في الأيورفيدا (Ayurveda)، الطب الهندي التقليدي، يُعتبر تراكم السموم (Ama) وضعف “أجني” (Agni) أو نار الهضم، من الأسباب الجذرية للأمراض. العلاج يهدف إلى تنقية الجسم وإعادة توازن “الدوشات” (Doshas) الثلاث.
هذه الرؤية الشمولية تعني أن استئصال الورم جراحيًا لا يكفي إذا لم تتم معالجة الأسباب الجذرية التي سمحت له بالظهور في المقام الأول.
تحذيرات من العلاجات الوهمية والمنتجات المغشوشة
في سياق حديثه، يوجه الدكتور فايد تحذيرات شديدة اللهجة ضد التجارة بالمرض.
- خلطات الأعشاب والعسل: ينتقد بشدة من يبيعون “خلطات سحرية” و”عسل علاجي” للمرضى، مؤكدًا أن الكثيرين أضاعوا أموالهم وصحتهم باتباع هذه العلاجات الوهمية، وتأخروا عن العلاج الحقيقي. على الرغم من أن بعض أنواع العسل الطبيعي أظهرت خصائص مضادة للميكروبات والالتهابات في دراسات مخبرية (in vitro)، إلا أن محتواه العالي من السكر يجعله غذاءً مثيرًا للجدل لمرضى السرطان الذين يُنصحون بشدة بتقليل استهلاك السكر.
- وهم المنتجات “العضوية” (Bio): بينما يشجع على استهلاك الغذاء العضوي النظيف، فإنه يشكك بقوة في شهادات “البايو” الممنوحة في الكثير من البلدان العربية، معتبرًا أنها غالبًا ما تكون شكلية وتفتقر إلى رقابة حقيقية. ينصح من لديه القدرة المالية بشراء المنتجات العضوية المعتمدة من أوروبا أو أمريكا حيث تكون الرقابة أكثر صرامة.
خلاصة القول: أنت قائد رحلة الشفاء
الرسالة الأقوى التي يختتم بها الدكتور فايد حديثه هي أن المريض يجب أن يكون هو القائد في رحلة علاجه. لا ينبغي أن يكون متلقيًا سلبيًا للمعلومات أو العلاجات. الشفاء يتطلب وعيًا، وبحثًا، وتحملًا للمسؤولية. إن فهم أنك “لا يمكنك علاج السرطان بينما لا تزال تستهلك مسبباته” هي الجملة المفتاحية التي قد تكون كافية لتغيير مسار المعركة بأكملها. السرطان ليس زكامًا عابرًا، بل هو دعوة جذرية لمراجعة الحياة من كل جوانبها، واتخاذ قرارات واعية ومستنيرة تجمع بين أفضل ما في العلم وأفضل ما في الطبيعة.
تنويه: هذا المقال يلخص آراء الخبير والدراسات المتاحة لأغراض تثقيفية فقط، ولا يعتبر استشارة طبية. يجب دائمًا استشارة الطبيب المختص قبل اتخاذ أي قرارات تتعلق بصحتك.