ماذا لو كانت أعظم أسرار الوجود، تلك التي حيرت الفلاسفة والأنبياء عبر العصور، قد تم الكشف عنها في حوار سري مع أحد ألمع العقول في التاريخ؟ في ربيع عام 2025، ظهرت وثيقة مزعومة، يُقال إنها النص الكامل لمقابلة سرية سُجلت مع المخترع العبقري نيكولا تسلا في عام 1942، قبل أشهر قليلة من وفاته. هذه الوثيقة، التي يُدّعى أنها كانت محفوظة في ملف سري للغاية في الأرشيف الوطني للولايات المتحدة، لا تتناول الكهرباء أو الاختراعات، بل تغوص في أعماق الوعي والروح والحياة بعد الموت، مقدمة رؤى مذهلة من منظور يدمج بين العلم والإيمان بشكل غير مسبوق.
في هذا الحوار المزعوم، الذي أجراه عميل من وكالة المعلومات العلمية الأمريكية، يتحدث تسلا ليس كمهندس كهرباء، بل كباحث عن الحقيقة الكونية. يكشف عن تجاربه الشخصية والعملية التي قادته إلى اليقين بوجود الروح ككيان طاقي لا يموت، بل ينتقل إلى “تردد آخر” بعد فناء الجسد. يقدم هذا المقال تحليلاً مفصلاً لمحتويات هذا الحوار المثير للجدل، مع ربط ادعاءاته بالأبحاث العلمية الحديثة، والآراء الفلسفية، والمفاهيم الروحية في مختلف الحضارات.
الروح: تردد لا يمكن قياسه بالأدوات المادية
بحسب النص المنسوب إليه، يرى تسلا أن العلم التقليدي يتجنب الحديث عن الميادين التي “يتنفس فيها الله”، لأنه يتعامل فقط مع ما يمكن وزنه وقياسه. أما هو، فكان يبحث عن “مصدر طاقة الكون” الذي يضيء الأرواح، وليس فقط المصابيح. يؤكد تسلا إيمانه بالروح ليس كفكرة فلسفية، بل كحقيقة رآها “بوعيه”. يصف تجربة عاشها في كولورادو سبرينغز عام 1899، حيث شعر في خضم تجربة لمجال مغناطيسي قوي بسكون تام وصوت بلا لسان قال له: “أنت مجرد أداة، نوري فيك”.
هذه الفكرة عن الروح كطاقة أو تردد تتجاوز المادة تجد أصداءً في العديد من النظريات الحديثة التي تحاول فهم الوعي. عند البحث عن أدلة علمية، نجد أن المجال لا يزال في بداياته، لكنه ليس مهملاً بالكامل.
- نظرية “Orch-OR”: اقترح العالم الفيزيائي السير روجر بنروز وعالم التخدير ستيوارت هاميروف نظرية الاختزال الموضوعي المنسق (Orchestrated Objective Reduction)، وهي تفترض أن الوعي ينشأ من عمليات كمومية داخل الأنيبيبات الدقيقة (microtubules) في خلايا الدماغ العصبية. وفقًا لهذه النظرية، فإن الوعي ليس مجرد نتاج ثانوي للتفاعلات الكيميائية الحيوية، بل هو عملية أساسية في نسيج الكون، وقد يستمر بشكل ما حتى بعد الموت.
- أبحاث الوعي بعد الموت: يقود الدكتور سام بارنيا، مدير أبحاث الإنعاش القلبي الرئوي في جامعة ستوني بروك، دراسة AWARE (AWAreness during REsuscitation)، وهي أكبر دراسة طبية حول تجارب الاقتراب من الموت (NDEs). وجدت الدراسة أن نسبة من المرضى الذين تم إنعاشهم بعد توقف القلب أبلغوا عن وعي واضح وتجارب مفصلة حدثت أثناء فترة “الموت السريري”، مما يطرح أسئلة جدية حول علاقة الوعي بالدماغ.
تتشابه فكرة تسلا عن “تردد الروح” أيضًا مع مفاهيم قديمة في الطب الشرقي، مثل “البرانا” (Prana) في الأيورفيدا الهندية، و”التشي” (Qi) في الطب الصيني التقليدي، وكلاهما يشير إلى “طاقة الحياة” الحيوية التي تتدفق في الجسم وتحافظ على استمراريته.
تجربة الاقتراب من الموت: رؤية من العالم الآخر
يروي تسلا في الحوار المزعوم تجربة شخصية عميقة حدثت له في عام 1918 عندما أصيب بمرض شديد. يصف كيف شعر بانفصاله عن جسده ورأى نفسه معلقًا في مكان يحيط به نور أبيض، حيث ظهرت له والدته المتوفاة منذ زمن طويل. لم تكن حلماً أو هلوسة، بل كانت “حقيقية” وأعطته شعوراً بالطمأنينة، وكأنها أخبرته أن وقته لم يحن بعد.
هذه الرواية تتطابق بشكل مذهل مع آلاف التقارير الموثقة عن “تجارب الاقتراب من الموت” (Near-Death Experiences - NDEs). يعتبر الدكتور ريموند مودي، في كتابه الكلاسيكي “الحياة بعد الحياة”، أول من صاغ هذا المصطلح. كما أن الدكتور بروس غرايسون، الأستاذ الفخري للطب النفسي في جامعة فيرجينيا، قضى عقودًا في دراسة هذه الظاهرة. في مراجعة علمية شاملة نشرت في مجلة “The Lancet”، تم تحديد عناصر مشتركة لهذه التجارب، منها:
- الانفصال عن الجسد (Out-of-Body Experience): الشعور بالطفو فوق الجسد ورؤية المحيط.
- المرور عبر نفق: الإحساس بالتحرك بسرعة عبر ممر مظلم نحو ضوء ساطع.
- رؤية النور: مواجهة نور يوصف بأنه مصدر للحب والسلام المطلق.
- لقاء كائنات نورانية أو أقارب متوفين: التواصل مع شخصيات روحية أو أحباء رحلوا.
- مراجعة شريط الحياة: رؤية أحداث الحياة كلها في لحظة واحدة.
يؤكد تسلا المزعوم أن هذه التجربة جعلته يدرك أن الموت ليس نهاية، وهو ما يتفق مع التحول العميق الذي يبلغ عنه معظم من يمرون بتجارب الاقتراب من الموت.
الجنة والنار: حالات ترددية للروح
عندما سُئل تسلا عن إيمانه بالجنة والنار، أجاب بنعم، ولكن ليس كمكانين ماديين. يصفهما بأنهما “حالتان تردديتان” (Frequencies). فالجنة هي تردد يتناغم مع الحب والنور، بينما النار هي تردد الخوف والكراهية. بعد الموت، تنجذب الروح بشكل طبيعي إلى التردد الذي عاشت فيه وتناغمت معه على الأرض.
هذا المفهوم يجد له صدى في الفلسفات الروحية الحديثة التي تربط الوعي بالترددات والاهتزازات. يتحدث خبراء مثل الدكتور جو ديسبنزا عن كيف أن المشاعر المرتفعة (كالحب والامتنان) لها ترددات طاقية أعلى، بينما المشاعر المنخفضة (كالخوف والغضب) لها ترددات أدنى. كما أن معهد “HeartMath” أجرى أبحاثًا تظهر أن القلب يولد مجالًا كهرومغناطيسيًا قويًا يتغير بناءً على حالتنا العاطفية، ويؤثر على من حولنا.
من منظور ديني، يتوافق هذا التفسير مع الفكرة القائلة بأن “أعمال الإنسان تحدد مصيره”. في الإسلام، يوصف يوم القيامة بأن الوجوه تكون إما “مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ” أو “عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ”. يمكن تفسير هذا ليس فقط كوصف مادي، بل كحالة داخلية للروح تعكس ما كانت عليه في الدنيا.
الإسلام وفيزياء الروح
من المثير للدهشة في الحوار المزعوم أن تسلا يدعي أنه قرأ ترجمة القرآن ووجدها “منسجمة على نحو مدهش” مع اكتشافاته حول الطاقة والتردد وبقاء الوعي. يستشهد بآية النور: “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ”، معتبراً أنها تجمع الحقيقة العلمية والإلهية.
هذه الآية (النور: 35) كانت محور تأملات عميقة في الفكر الإسلامي، خاصة لدى الصوفية. الإمام الغزالي في كتابه “مشكاة الأنوار” يفسر النور ليس فقط بالمعنى المادي، بل كرمز للحقيقة الإلهية والوعي الأعلى. فكرة أن الروح “نفخة من الله” (“وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي”) تتناغم مع فرضية تسلا حول المصدر اللامادي للروح.
كما يذكر تسلا لقاءه بعالم مصري غامض يدعى “أحمد الفايز” في باريس عام 1935، والذي كان له تأثير كبير عليه. أخبره الفايز أن “الروح نور من الرب، وعلمك لا يدركه بل يلمسه فقط”. عند البحث، لم يتم العثور على أي سجلات تاريخية تؤكد وجود عالم بهذا الاسم التقى بتسلا، مما قد يشير إلى أن هذا الجزء من الحوار هو عنصر روائي أضيف لتعزيز القصة.
مشروع “حقل الظل”: محاولة الاتصال بالعالم الآخر
الجزء الأكثر إثارة للجدل في الحوار هو كشف تسلا عن مشروع سري أطلق عليه اسم “حقل الظل” أو “الحقل الروحي”. يدعي أنه لاحظ انبعاث “نبض كهرومغناطيسي فريد” في لحظة موت الكائنات الحية، وأنه صمم جهازًا في عام 1933 لتحويل هذه التذبذبات إلى صوت. يصف سماعه لكلمات “بلغة لم يكن يعرفها ولكنها كانت ذات معنى في قلبه”، وكأنها رسائل من “ما وراء الستار”.
هذه الادعاءات تضعنا في مجال “التحويل الآلي للأصوات” (Instrumental Transcommunication - ITC) أو “ظاهرة الصوت الإلكتروني” (Electronic Voice Phenomenon - EVP)، وهي مجالات بحث هامشية ومثيرة للجدل. يحاول الباحثون في هذا المجال تسجيل أصوات يعتقدون أنها من مصادر غير مادية باستخدام أجهزة إلكترونية. ورغم وجود آلاف التسجيلات المزعومة، إلا أن المجتمع العلمي السائد يرفضها ويعتبرها نتيجة لتفسيرات خاطئة للضوضاء العشوائية أو التداخلات الإذاعية. ومع ذلك، فإن فكرة تسلا المزعومة تسبق الأبحاث الحديثة في هذا المجال بعقود.
الموت: بوابة إلى اليقين
في نهاية الحوار، يقدم تسلا فهمه النهائي للموت. يصفه بأنه “أعظم سوء فهم عند البشر”، فهو ليس نهاية بل “باب إلى بيت ولدنا فيه ولكننا نسيناه”. يربط هذا المفهوم بالقرآن الذي يصف الموت بـ “اليقين” (“وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ”). فالموت هو لحظة انكشاف الحقيقة التي كانت محجوبة عنا.
يصف تسلا لحظة الموت بأنها “العتبة”، حيث يرى الإنسان حياته وأعماله بإدراك متعدد الأبعاد، وهو ما يتطابق مع قوله تعالى: “فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ”.
يتفق العديد من العلماء والفلاسفة الذين كتبوا عن الوعي مع فكرة أن العلم والدين ليسا بالضرورة متعارضين. ماكس بلانك، أبو فيزياء الكم، قال: “العلم لا يمكنه حل اللغز النهائي للطبيعة. وذلك لأنه، في التحليل الأخير، نحن أنفسنا جزء من اللغز الذي نحاول حله”. كما أن ألبرت أينشتاين، رغم عدم إيمانه بإله شخصي، عبر عن إعجابه العميق بالنظام والجمال في الكون، قائلاً: “العلم بدون دين أعرج، والدين بدون علم أعمى”.
سواء كانت هذه الوثيقة حقيقية أم من نسج الخيال، فإنها تطرح أسئلة جوهرية حول طبيعة الواقع والوعي. إنها تدعونا إلى التفكير فيما إذا كان العلم المادي قادرًا يومًا ما على قياس ما هو أبعد من المادة، وما إذا كانت الحقيقة النهائية تكمن في نقطة التقاء العقل والقلب، والعلم والإيمان.
تنويه: هذا المقال يلخص آراء منسوبة لخبراء ودراسات متاحة لأغراض تعليمية وتثقيفية فقط، ولا يعتبر نصيحة طبية أو بديلاً عنها. الآراء المذكورة في النص المزعوم المنسوب لنيكولا تسلا قد لا تمثل آراءه الفعلية وهي جزء من وثيقة غير مثبتة المصدر.