"مَاذَا يَحْدُثُ عِنْدَمَا تَبْدُو الْحَيَاةُ كَبَحْرٍ هَائِجٍ، مَعَ أَمْوَاجٍ مِنَ التَّحَدِّيَاتِ تُهَدِّدُ بِابْتِلَاعِنَا؟ يَتَسَاءَلُ الْكَثِيرُ مِنَّا فِي لَحَظَاتِ الْأَلَمِ الْعَمِيقِ عَنْ سَبَبِ تَرَاكُمِ الصُّعُوبَاتِ وَاخْتِبَارِ حُدُودِنَا بِطُرُقٍ بِالْكَادِ نَسْتَطِيعُ فَهْمَهَا. إِنَّ هَذَا الْبَحْثَ عَنِ الْمَعْنَى وَسَطَ الْمُعَانَاةِ قَدِيمٌ قِدَمَ الْبَشَرِيَّةِ. وَفِي مُحِيطِ الْمَعْرِفَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الشَّاسِعِ، يَتَرَدَّدُ صَدَى اسْمٍ وَاحِدٍ بِسُلْطَةٍ وَعُمْقٍ لَا مَثِيلَ لَهُمَا عِنْدَمَا يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِكَشْفِ الْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ: إِنَّهُ ابْنُ عَرَبِيٍّ. يُعْتَبَرُ الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ، الشَّيْخُ الْأَعْظَمُ، كَمَا يُعْرَفُ بِمَوَدَّةٍ، أَحَدَ أَعْظَمِ أَسَاتِذَةِ التَّصَوُّفِ الْإِسْلَامِيِّ. وَقَدِ امْتَلَكَ قُدْرَةً اسْتِثْنَائِيَّةً عَلَى اخْتِرَاقِ أَعْمَقِ مَعَانِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالتَّجْرِبَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، مِمَّا يَجْعَلُ الْحَقَائِقَ الرُّوحِيَّةَ الْمُعَقَّدَةَ فِي مُتَنَاوَلِ كُلِّ مَنْ يَسْعَى إِلَى الْحِكْمَةِ. لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ عَالِمِ لَاهُوتٍ أَوْ فَيْلَسُوفٍ؛ لَقَدْ كَانَ رَائِيًا، وَشَاعِرًا، وَمُرْشِدًا رُوحِيًّا رَأَى الْكَوْنَ كَنَسِيجٍ مُعَقَّدٍ نَسَجَتْهُ الْيَدُ الْإِلَهِيَّةُ، حَيْثُ كَانَ لِكُلِّ خَيْطٍ، مَهْمَا كَانَ مُظْلِمًا، مَكَانُهُ وَغَرَضُهُ. الْمِحَنُ مِنْ مَنْظُورِ ابْنِ عَرَبِيٍّ لَيْسَتْ دَلِيلًا عَلَى سَخَطٍ إِلَهِيٍّ، بَلْ هِيَ أَدَوَاتٌ لِلتَّهْذِيبِ الرُّوحِيِّ، وَاخْتِبَارَاتٌ لِلْإِيمَانِ، وَتَهْيِئَةٌ لِنَيْلِ عَطَايَا أَعْظَمَ. كَمْ مَرَّةٍ نَجِدُ أَنْفُسَنَا فِي مَوَاقِفَ يَنْفَدُ فِيهَا الصَّبْرُ وَيَبْدُو الْأَمَلُ خَيْطًا وَاهِيًا، فَنَتَسَاءَلُ عَنْ سَبَبِ هَذِهِ الْمِحْنَةِ؟ فِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ تَحْدِيدًا، يُنِيرُ نُورُ تَعَالِيمِ ابْنِ عَرَبِيٍّ دَرْبَنَا، مُقَدِّمًا لَيْسَ فَقَطِ الْعَزَاءَ، بَلْ أَيْضًا فَهْمًا أَعْمَقَ لِلتَّدْبِيرِ الْإِلَهِيِّ. يُعَلِّمُنَا أَنَّ الشَّدَائِدَ لَيْسَتْ نِهَايَةَ الْمَطَافِ، بَلْ هِيَ بَوَّابَةٌ وَنُقْطَةُ انْطِلَاقٍ ضَرُورِيَّةٌ لِلصُّعُودِ إِلَى مَرَاتِبَ رُوحِيَّةٍ أَعْلَى وَنَيْلِ النِّعَمِ الَّتِي خَصَّصَهَا اللهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. "
ابن عربي: Five Trials That Precede Great Blessings